والزوجة داخلة في الأنثى، فالجمهور فهموا فهمًا، وأبو حنيفة فهم فهمًا آخر، فالجمهور فهموا من "والأنثى" على أن الأنثى تجب عليها، لكن مَن الذي يُخْرجها عنها؟ الزوج هو الذي تجب عليه نفقتها، وأبو حنيفة فَهِمَ فهمًا آخر: أنه لما قال عَبْدُ اللَّه بن عمر: "على الذَّكر والأنثى"؛ أي: أنها تجب على الأنثى بنفسها، كَمَا أنها تجب على الذكر بنفسه.
إذًا، كل واحدٍ من أصحاب القولين وَجَّه الحديث، واعتبر أنه حجة له.
فَلْنعلَم أن تلكم الخلافات التي تقع بين الأئمة وبين غَيْرهم من العُلَماء العاملين المخلصين الذين وَقَفوا حياتهم خدمةً لهذه الشريعة، وخدمةً لكتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ-، ولسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما هو خلافٌ يَنْتهي إلى وِفَاقٍ، لأن مَردَّ الجميع هو كتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ-، وسُنَّة رَسُوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم يُدْركون غاية الإدراك، هم والأئمة الأعلام، والَّذين استنبطوا لنا كثيرًا من الأحكام من كتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ- ومن سنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- يُدْركون معنى قول اللَّه تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء: ٥٩]، ولا شك أن الرد إلى اللَّه إنما هو الرَّدُّ إلى كتابه، والرد إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما هو الرجوع إليه في وقت حياته، وإلى ما صحَّ من سنته -عليه الصلاة والسلام- بعد مماته، هذا هو المنهج الذي رسمه لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسار في ضوئه أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَذلك اقْتدَى بهم التابعون الأئمة الأعلام، ثمَّ جاء بعدهم أئمة المذاهب وأمثالهم الذين جَعَلوا حياتهم وقفًا لخدمة هذا الدين، والوُصُول به إلى نفوس الناس صافيًا نقيًّا كما تَلقَّوه ممن قبلهم، وما فهموه من كتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ-، ومن سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولَوْ أردنا أن نعرضَ أقوالهم، لَوَجدنا أنهم كلهم كان يُحَارب التعصُّب، فأبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- كان لما سُئِلَ عن مَسْألةٍ، فقيل: أهذا هو الحقُّ الذي لا شك فيه؟ قال: لا أدري، لعلَّه الباطل الذي لا شك فيه.