للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يقول: إذا جَاءَ الأمر عن اللَّه، فَعَلى العين والرأس، وإذا جاء عن رَسُول اللَّه، فعلى العين والرأس، وإذا اجتمع الصحابة على أمرٍ أخذنا به، وإذا اختلفوا تخيرنا من أقوالهم، وإذا جاء عن غيرهم فنحن رجالٌ وهم رجالٌ، يقصد عن التابعين (١).

وكان الإمام مالك (إمام دار الهجرة) التي تضرب إليه أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاربها إمامًا، هذا الإمام الذي عاش فترة طويلة يعلم الناس في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يُبيِّن لهم ما جَاء في كتابه -عزَّ وجلَّ-، وَمَا ورد في سُنَّته -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان يقول للناس: ما منا إلا رادٌّ ومردودٌ عليه إلا صاحب هذا القبر، وَيُشِيرُ إلى قَبْر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢)، لماذا لا يُرَدُّ على رسول اللَّه؟ لأنه لا {. . . يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)} [النجم: ٣ - ٥]، أما غيره فيجتهد، فإن أصاب فله أَجْرَان، وإن أخطأ فلَه أجرٌ واحدٌ، كما بَيَّن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله: "إذَا اجْتهَد الحَاكم فأصَاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ" (٣).

وكان الإمام الشافعي يقول: إذا صحَّ الحديث، فهو مذهبي (٤).


(١) حكاه أبو شامة في "خطبة الكتاب المؤمل" (ص ١٣٣) حيث قال: "قال نعيم بن حمَّاد: سَمعتُ أبا عصمة يَقُول: سمعت أبا حنيفة يقول: ما جَاء عن رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَعَلى الرأس والعينين، وما جَاءَ عن أصحابهِ اخْتَرنا، وما كان غير ذلك فنحن رجالٌ، وهم رجالٌ".
(٢) نسبةُ هذا إلى مَالِكٍ هو المشهور، وصححه عنه ابن عبد الهادي في "إرشاد السالك إلى مناقب مالك" (ص ٤٠٢)، وقد رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩٢٥)، وابن حزم في "أصول الأحكام" (٦/ ١٤٥، ١٧٩) من قول الحكم بن عُتَيبة ومجاهد، وأورده تقي الدين السبكي في "الفتاوى" (١/ ١٤٨) من قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ثم قال: "وأخذ هذه الكلمة من ابن عباسٍ مجاهدٌ، وأخذها منهما مالكٌ -رضي اللَّه عنه-، واشتهرت عنه"، كما أفاده الأَلْبَانيُّ في "أصل صفة الصلاة" (١/ ٢٧).
(٣) أخرجه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦) من حديث عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-.
(٤) يُنظر: "شرح مسند الشافعي" للرافعي (١/ ١٩)، و"خلاصة الأحكام" للنووي (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>