للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى هذا: أن الإمام الشافعي لو قال قولًا، ووجدنا أن هذا القول يخالفه حديث صحيح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنقول: إن هذا القول الذي يوافق حديث رسول اللَّه هو قول الإمام الشافعي؛ لأنه تَبَرأ عن كلِّ قَوْلٍ قاله يخالف قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وَكَانَ الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُول: "لا تُقلِّدوني، ولا تُقلِّدوا مالكًا، ولا الأوزاعي، ولكن خذوا من حيث أخذوا" (١).

لكن مَن الذي يأخُذُ من حيث أخذوا؟

هُوَ الذي لَدَيه القدرة، يعني: تَجمَّعت لديه أدلة الاجتهاد: معرفته بالكتاب والسُّنَّة، بالناسخ والمنسوخ، بالمطلق والمقيد، أيضًا بما يتعلق بالمسائل الضرورية في اللغة العربية، يعرف أيضًا بعض أهم مسائل مصطلح الحديث، وعلوم القرآن، وهذه هي التي نبَّه إليها الإمام الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه "الرسالة" (٢).

الخلاصة: أنَّ هذه الخلافات، وتشعُّب المسائل التي نراها في كتب الفقه، والتي ربما تضيق فيه صدور بعض طلاب العلم، هي في الحقيقة إنما وَصَلَ إليها العلماء نتيجة اجتهادٍ، ونتيجة حرصهم -رحمهم اللَّه تعالى جميعًا- علَى الوُصُول إلى الحق من أقرب طريقٍ وأداةٍ، فرحمهم اللَّه تعالى جميعًا.

* قوله: (وَخَالَفَهُمْ أَبُو ثَوْرٍ فِي العَبْدِ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ لَهُ، زَكَّى عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُزَكِّ عَنْهُ سَيِّدُهُ (٣)، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ (٤)).


(١) ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٢/ ١٣٩).
(٢) لم أَقِفْ على هذا في كتاب "الرسالة".
(٣) يُنظر: "اختلاف العلماء" للمروزي (ص ٤٥٢)، حيث قَالَ: "قَالَ أبو ثَوْرٍ: الزكاة في مال المملوك واجبة على المملوك لَا على سيده - إِنْ كان المملوك مسلمًا".
(٤) يُنظر: "المحلى بالآثار" (٤/ ٢٥٨) حيث قال: "والحقُّ من هذا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- =

<<  <  ج: ص:  >  >>