فلو قُدِّر أن إنسانًا عنده قليلٌ من القمح أو من التمر، هو ما مَلَك نصابًا؛ لأنه متى يملك الإنسان نصابًا؟ إذا ملك ثلاث مائة صاعٍ التي هي خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا، فأبو حنيفة يَقُول: كيف نطالبه بإخراج الزكاة، ثمَّ في نفس الوقت نَدْفع له الزَّكاة من جَانِبٍ آخَرَ؟
نَقُولُ في الجَوَاب في ذَلكَ: نحن نُطَالبه بزكاة الفطر؛ لأن هذه زكاة عن بدنِهِ، وهي تطهير لبدنه، فلا يشترط فيها النصاب، وتلك زكاة لماله، فلا نطالبه إلا بما زاد عن النصاب إذا بلغت نصابًا؛ لأن الإنسان لو أخذ منه قبل أن يبلغ نصابًا لشقَّ عليه، ولذلك نحن نجد أن الشَّريعَة الإسلاميَّة -كما بينَّا ذلك عندما كنا نتكلم عن وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، وكذلك في النقدين، وقلنا: إنها حددت بهذه المقادير لحِكْمةٍ- إنَّما هي تَشْتمل على حِكَمٍ وأسرارٍ؛ لأنها أنزلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤]؟ بلى؛ لأنَّه هَو الذي خلَق هذا الكونَ، هو الذي خَلَق هذه الخليقة، هو الَّذي خلق الإنسان وسَوَّاه في أحسن تقويمٍ، فَهُو الذي يعلم ما يصلح شؤون الناس، وما تَسْتقيم به أمورُهُم،
(١) يُنظر: "التجريد" للقدوري (٣/ ١٤٠٢) حيث قال: "قال أصحابنا: لا تجب الفطرة على الفقير الذي يجوز له أخذها".