للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقمر إنما هو خلق من مخلوقات اللَّه، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق النجوم وجعلها زينةً للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يستدل بها، وكل ذلك ذكر في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ وفي سنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- كذلك فإنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق القمر وجعل له منازل، وفي ذلك حكمة بالغة: لنعلم عدد السنين والحساب كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} [يونس: ٥].

* قوله: (وَحَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِلِ القَمَرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الهِلَالَ مَرْئِيٌّ وَقَدْ غُمَّ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ الصَّوْمَ وَيُجْزِيَهُ (١)، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: الإِجْمَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ" (٢)).

ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أرشدنا إلى أنَّ الشهر قد يكون ثلاثين يومًا، وقد يكون تسعة وعشرين يومًا؛ ولذلك قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "إنَّا أُمَّةٌ أمِّيَّةٌ لا نكتبُ ولا نحسبُ" (٣)، وفي رواية: "لا نحسبُ (٤) ولا نكتبُ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، ثم أشار بيده ثلاث مرات، وفي الثالثة خنس الإبهام (٥)؛ أي: تسعة وعشرين، ثم قال: "وهكذا وهكذا وهكذا"، فذكرها ثلاث مرات كاملة.


(١) يُنظر: "بحر المذهب"، للروياني (٣/ ٢٥٢)؛ حيث قال: "كذلك لو كان يعرف منازل القمر وتقدير سيره فعلم أن الهلال قد أهل هل يجوز له أن يصوم به؟ قال ابن سريج: يجوز".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (١٩١٣)، ومسلم (١٠٨٠).
(٤) يُنظر: "فتح الباري"، لابن حجر (٤/ ١٢٧)؛ حيث قال: "والمراد بالحساب هنا: حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير؛ فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير".
(٥) أخرجه مسلم (١٠٨٠/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>