للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلَّ ذلك على أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين، وربما يكون ثلاثين.

وغالب الآثار التي جاءت عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ذكروا فيها أنهم كانوا يصومون مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأن أكثر الأشهر التي صاموها تسعةً وعشرين يومًا، وهذا هو الذي نراه الآن؛ يعني: غالب الأشهر إنما هي تكون تسعة وعشرين يومًا فلا تكمل ثلاثين يومًا، لكن من الأشهر ما يصل ثلاثين.

وهذا الحديث: "إنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ" يشهد له قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)} [الجمعة: ٢].

* قوله: (فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ: أَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ).

هذا هو مذهب جماهير العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة، وقد سبق ذلك (١).


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي"، للمرغيناني (١/ ١١٧)؛ حيث قال: "وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان فإن رأوه صاموا وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا ثم صاموا؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا"؛ ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينتقل عنه إلا بدليل ولم يوجد". وانظر: "تبيين الحقائق"، للزيلعي (١/ ٣١٦) وما بعدها".
مذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير"، للشيخ الدردير و"حاشية الدسوقي" (١/ ٥٠٩)؛ حيث قال: " (يثبت رمضان)؛ أي: يتحقق في الخارج وليس المراد خصوص الثبوت عند الحاكم بأحد أُمور ثلاثة: إما (بكمال شعبان) ثلاثين يومًا وكذا ما قبله إن غم ولو شهورًا لا بحساب نجم وسير قمر على المشهور؛ لأن الشارع أناط الحكم بالرؤية أو بإكمال الثلاثين فقال -عليه الصلاة والسلام-: "الشهر تسعة وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له". وفي رواية: "فأكملوا عدة شعبان"، وهي مفسرة لما قبلها، قال مالك: إذا توالى الغيم شهورًا يكملون عدة الجميع حتى يظهر خلافه اتباعًا للحديث، ويقضون إن تبين لهم ما هم عليه".
مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج"، للشربيني (٢/ ١٤١)؛ حيث قال: "وإنما يجب (بإكمال شعبان ثلاثين) يومًا (أو رؤية الهلال) ليلة الثلاثين منه لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"".

<<  <  ج: ص:  >  >>