للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقيهُ عندما يدقق النظر في كلام ابن رشد ويغوص في أعماقه يجد أنها من واقع كلامه وأنها ترجع إلى أبعد مذكور، وهذا خلاف المعهود؛ لأنه دائمًا الإشارة تكون إلى أقرب مذكور (١)؛ ولذا تجد في ثنايا كلام ابن رشد أنه يميل إلى مذهب الشافعي.

ثم أيضًا قوله: (وبه قال الشافعي)، مفهومه أن الشافعي انفرد بهذا القول، والشافعية لا يوافقون على هذا؛ لأنَّ هذا القول قال به غيرهم، وإن خالفهم الأئمة الثلاثة.

بل تجد أن بعضهم يقول: وبه قال أكثر العلماء، وممن نص على ذلك النووي. لكن هل هذا مسلم؟

نحن دائمًا نعتبر الكفة التي فيها الأئمة الثلاثة هي الأكثر، والتي فيها إمام هي الأقل، وعند التساوي ننظر أيضًا إلى مَن مع هؤلاء ومَن مع هؤلاء.

فلا شكَّ أنَّ الأفضل هم الجمهور في هذه المسألة، لكن لم ينفرد الشافعي في هذه المسألة، وإنما وافقه جماعة من العلماء.

فالذي يظهر لي أن المؤلف يميل إلى مذهب الشافعي لا إلى رأي الجمهور.

* قوله: (فَإِنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَدْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ لِلرُّؤْيَةِ، فَالرُّؤْيَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالحِسِّ، وَلَوْلَا الإِجْمَاعُ عَلَى الصِّيَامِ بِالخَبَرِ عَنِ الرُّؤيَةِ لَبَعُدَ وُجُوبُ الصِّيَامِ بِالخَبَرِ لِظَاهِرِ هَذَا الحَدِيثِ).

فهل القصد العموم، أو القصد أنَّ الإنسان إذا رأى دخول الشهر يصوم وحده ولو لم يصم الناس، وإذا رأى خروجه أفطر وإن لم يفطر الناس؟


(١) يُنظر: "جامع الدروس العربية"، للغلاييني (١/ ١٢٥)؛ حيث قال: "والضمير يعود إلى أقرب مذكور في الكلام، ما لم يكن الأقرب مضافًا إليه، فيعود إلى المضاف. وقد يعود إلى المضاف إليه، إن كان هناكَ ما يعيِّنه كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ".

<<  <  ج: ص:  >  >>