للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهنا نهي الإنسان عن أن يفطر تجنبًا للتهمة؛ لأن الإنسان ربما لو رأى الهلال فأفطر يُتَّهم من الناس، يقولون عنه: إن هذا رجل متلاعب بأحكام اللَّه عزَّ وجلَّ، هذا إنسان متساهل لا يصوم، ولا يعطي الإسلام حقه، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حضَّ على تجنب الشبهات، وقال: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" (١).

وفي قصته مع صفية عندما مرَّ اثنان من الصحابة فأسرعا، فقال: "على رسلكما إنها صفية"، فاستغربا من ذلك كيف تقول ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "خشيت أن يوقع الشيطان في نفوسكما" (٢)؛ فأراد -صلى اللَّه عليه وسلم- إغلاق هذا الباب، حتى لا يعطي فرصة للشيطان، والشيطان حريص دائمًا على أن يفسد على الإنسان كل شيء، قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٢، ٨٣].

* قوله: (وَشَذَّ مَالِكٌ فَقَالَ: مَنْ أَفْطَرَ وَقَدْ رَأَى الهِلَالَ وَحْدَهُ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَالكَفَّارَةُ) (٣).

هناك قضيتان: قضية القضاء وقضية الكفارة، فهنا القضاء لأنه يرى أنه ترك يومًا حتى وإن رأى، وعليه الكفارة لأنه خالف غيره.


(١) أخرجه مسلم (١٥٩٩/ ١٠٧) عن النعمان بن بشير -رضي اللَّه عنهما-.
(٢) أخرجه مسلم (٢١٧٥/ ٢٤) عن صفية بنت حيي، قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أسرعَا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي" فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا -أو قال: شيئًا-".
(٣) يُنظر: "مواهب الجليل"، للحطاب (٢/ ٣٨٧)؛ حيث قال: "من رأى هلال رمضان وحده وسواء كان عدلًا أو مرجوًّا أو نحوهما؛ فإنه يجب عليه الصوم فإن أفطر متعمدًا أو منتهكًا لحرمة الشهر فعليه القضاء والكفارة، وإن أفطر متأولًا فظن أنه لا يلزمه الصوم برؤيته منفردًا ففي وجوب الكفارة تأويلان، والقول بوجوب الكفارة هو المشهور؛ ولذلك جزم به المصنف بعد ذلك لما ذكر التأويل البعيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>