للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١].

وهذا ردٌّ لأولئك الذين يغلون في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويتجاوزون به قدره -صلى اللَّه عليه وسلم- ويرفعونه إلى مكانة غير مكانته، فله المكانة العظمى، وهي مسألةٌ ليست محل خلاف، لكن أيضًا لا ينبغي أن يتجاوز برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا بغيره من الأنبياء مكانة المخلوقين؛ فهم عبيد للَّه وخلق من خلق اللَّه فضلهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الناس وخصَّهم برسالته وأمَّنهم على هذه الرسالة، فكان لهم الفضل العظيم على خلق اللَّه جميعًا؛ لأنهم كانوا سببًا -بعد اللَّه- في هداية من اهتدى من هذه الأمم، فصلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥].

إذن؛ رسول اللَّه يتلقى أولئك الأعراب، بل إنَّ الصحابةَ لما شقت عليهم الأسئلة ونهوا عن ذلك، لما جاء الحديث الذي يتعلَّق بكثرة السؤال والنهي عنه وإن اللَّه سكت عن أشياء فلا تسألوا عنها (١)، كانوا يتحرجون، فكان الصحابة يُسَرُّونَ إذا جاء أحد الأعراب ليسأل (٢)، وربما يعطونه شيئًا ليسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وهذا الحديث عند أصحاب السنن والدارقطني (٣) والبيهقي وغير هؤلاء، وهو حديث صحيح (٤)، وهو نصٌّ في صيام رمضان برؤية رجل واحد.


(١) معنى حديث أخرجه الدارقطني (٥/ ٣٢٥) عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه عزَّ وجلَّ فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها". وضعفه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١٩٧).
(٢) معنى حديث أخرجه مسلم (١٢) عن أنس بن مالك، قال: "نهينا أن نسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اللَّه أرسلك. . . " الحديث.
(٣) أخرجه الدارقطني (٣/ ١٠٢).
(٤) صححه ابن حبان في "صحيحه" (٨/ ٢٢٩)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٤٣٧) =

<<  <  ج: ص:  >  >>