للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (فَذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الآثَارِ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، وَمَذْهَبَ الجَمْعِ، فَالشَّافِعِيُّ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَلَى ظَاهِرِهِمَا؛ فَأَوْجَبَ الصَّوْمَ بشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَالفِطْرَ بِاثْنَيْنِ) (١).

وعلماء الحديث لهم طرقٌ يسلكونها، ففيما يتعلَّق مثلًا بالنسخ فإنه لا يثبت النسخ إلا أن يعرف المتقدم من المتأخر، وأسْلمُ طريقة يسلكها الفقيه المحقِّقُ المدقِّقُ الذي يُعنَى بتحرير المسائل هو أن يحاول أن يجمع بين الأدلة، والجمع غير متعذر، فإذا أمكن الجمع فلا يرجع إلى غيره، والجمع يكون عندما تصبح الأدلة كلها صحيحة، ونقصد بذلك السنة، أما أدلة القرآن فهي مسلمة.

إذن؛ إذا صحت الأحاديث حينئذ ينظر إلى الجمع، فإذا تعذر الجمع ينتقل إلى الترجيح، والترجيح له عدة أسباب، ومن بين المرجحات: أن تكون دلالة الحديث هنا ظاهرة وهناك غير ظاهرة، أو أن يكون هذا في "الصحيحين" وهذا في غيرهما، أن تكون دلالة هذا الحديث صحيحة وذاك مختلف فيه. . . وهكذا.

إذن؛ قال الشافعي في هذه المسألة والإمام أحمد معه، فكأنه يتحدث عن الاثنين معًا.


(١) يُنظر: "مغني المحتاج"، للشربيني (٢/ ١٤٢)؛ حيث قال: " (عدلان) كغيره من الشهور. قال الإسنوي: وهذا هو مذهب الشافعي -رضي اللَّه عنه-؛ فإن المجتهد إذا كان له قولان وعلم المتأخر منهما كان مذهبه المتأخر ففي "الأم": قال الشافعي بعد: لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان. ونقل البلقيني مع هذا النص نصًّا آخر صيغته رجع الشافعي بعد، فقال: لا يصام إلا بشاهدين. ونقل الزركشي عن الصيمري أنه قال: إن صح أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل شهادة الأعرابي وحده أو شهادة ابن عمر قبل الواحد وإلا فلا يقبل أقل من اثنين. وقد صح كل منهما، وعندي أن مذهب الشافعي قبول الواحد، وإنما رجع إلى اثنين بالقياس لما لم يثبت عنده في المسألة سنة فإنه تمسك للواحد بأثر عن علي؛ ولهذا قال في "المختصر": ولو شهد برؤيته عدل واحد رأيت أن أقبله للأثر فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>