للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي فِي الحُقُوقِ وَالشُّبْهَةِ الَّتِي تَعْرِضُ مِنْ قِبَلِ قَوْلِ أَحَدِ الخَصْمَيْنِ، فَاشْتَرَطَ فِيهَا العَدَدَ).

كأن سائلًا يسأل: لماذا اشْتُرِطَ في إثبات الحقوق وجودُ شاهدَين؟

فيجيب المؤلف: اشترط ذلك محافظة على الحقوق؛ لأنه إذا شهد شاهدان غلب على ظنِّ القاضي الذي يحكم بالقضية بأن الحقَّ مع أحد الخصمين الذي جاء بالشهود، وإلا فلا يستطيع أن يقطعَ.

ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنكم تختصمون إليَّ ولعلَّ أحدكم يكونُ ألحنَ (١) بحجته من الآخر فأقضي على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعة من نار فلا يأخذها أو فليدعها" (٢)؛ أي: إن كان يخشى اللَّه فإن قُضِيَ له بحق أخيه فليدعه خوفًا وخشية من اللَّه، أما إذا كان لا يخشى اللَّه فهو حينئذ يتساهل.

ولذلك فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عدَّ شهادة الزور من الكبائر، وكان متكئًا ثم جلس وأخذ يكرِّرُها: "ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور"، حتى قال الصحابة: يا ليته سكت (٣)؛ لأن فيها غمطًا للحق، وفيها ظلمٌ وتعدٍّ على الناس، تتسبب في أن تعطي للإنسان غير المستحق حقَّ الإنسان المستحق، فتنقل المال لغير صاحبه بغير حق، واللَّه تعالى يقول: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨].

ولذلك نجد أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما وصف عباده المتقين في سورة


(١) ألحن: أي: أفطن لها. انظر: "الصحاح"، للجوهري (٦/ ٢١٩٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣) عن أم سلمة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها".
(٣) أخرجه البخاري (٢٦٥٤)، ومسلم (٨٧) عن أبيه -رضي اللَّه عنه-، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين" وجلس وكان متكئًا فقال: "ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكرِّرها حتى قلنا: ليته سكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>