للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرقان، قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣]، ذكر كثيرًا من صفاتهم، ثم قال: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢]. فمن صفات عباد الرحمن المتقين الذين يخافون ربهم في السر والعلانية أنهم لا يقولون ولا ينطقون بشهادة الزور؛ لأن شهادة زور واحدة قد تذهب فيها الرقاب، وقد تذهب فيها الأموال، وقد يقام فيها حد القذف.

* قوله: (فاشترط فيها العدد) ولذلك اشتُرط في الشهادات شاهدان عدلان؛ محافظة على حقوق الناس، لكن -كما قلنا- ليس ذلك دليلًا قطعيًّا؛ فقد يحصل الإنسان على اثنين يشهدان شهادة زور، فكم من أناس لا يخافون اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وكم من أناس أكلوا أموال اليتامى، وكم من الناس أكلوا الرشاوى واستغلوا أماكنهم وتسلطوا على الضعفاء.

ولذلك نجد أنَّ رسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر على ابن اللُّتْبِيَّةِ لمَّا أرسله في الصدقات، فجاء إلى رسول اللَّه فقال: هذا لكم وهذا لي. قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غاضبًا فخطب الناس وقال: "ما بال أحدكم يأتي فيقول: هذا لكم وهذا لي، هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيعطى؟ " (١).

ولذلك فإنَّ العلماءَ يدقِّقون في العلاقة بين سائر الناس وبين القاضي، فالقاضي لا يأخذ الهدية إلا من شخص كان يهاديه قبل ذلك (٢)،


(١) أخرجه البخاري (٦٩٧٩)، ومسلم (١٨٣٢) عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا على صدقات بني سليم يُدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا. . . " الحديث.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "تبيين الحقائق"، للزيلعي (٤/ ١٧٨)؛ حيث قال: " (ويرد هدية إلا من قريبه أو ممن جرت عادته بذلك)؛ لأن الأولى: صلة الرحم وردها قطيعة وهي حرام، والمراد بالقريب هو ذو الرحم المحرم، والثانية: ليست لأجل القضاء وإنما هي جري على العادة، فلا يتوهم فيهما الرشوة حتى لو كان لهما خصومة أو زاد على العادة يرده؛ لأنه لأجل القضاء فيكون من الغلول كغيرهما من الهدايا؛ لأنها تشبه الرشوة فيتجنب عنها". =

<<  <  ج: ص:  >  >>