للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الإجماع إنما نقله ابن عبد البرِّ، ونقله عنه ابن حجرٍ في "فتح الباري" (١).

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الخِلَافِ: تَعَارُضُ الأَثَرِ وَالنَّظَرِ).

فقصده بـ (الأثر) الحديث، و (النظر) يعني: إمعان (٢) النظر؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنا بالتفكر والتدبر وأن نسير في الأرض، كل هذه أُمور أمرنا اللَّه بها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فهذا فيه مجال للنظر، لكن ليس القصد بالنظر هنا أن تطرح الأدلة جانبًا وتمعن نظرك؛ إذ لا اجتهاد مع النص (٣)، لكنَّ القصد هنا الاحتمالات التي في الأدلة، فأنت تمعن النظر، والمشاهدة لها أثر، وأنتم ترون أن بلاد اللَّه متباعدة، فالشمس تغرب أولًا في الشرق، والشام تتجه إلى الشمال وربما أقرب إلى الغرب، ونرى أن الصيام في المدينة متأخر عن بلاد الشام.

هذا يدلنا على أن أُمور العبادة لا يتعدى فيها النصوص فيما ترد فيه النصوص.

* قوله: (أَمَّا النَّظَرُ، فَهُوَ أَنَّ البِلَادَ إِذَا لَمْ تَخْتَلِفْ مَطَالِعُهَا كُلَّ الِاخْتِلَافِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ).

فالأحاديث لا تتناقض، والذين يقولون: باتحاد الرؤية يرون شمول


(١) يُنظر: "فتح الباري"، لابن حجر (٤/ ١٢٣).
(٢) أَمْعَنَ النظرَ في الشيءِ وأنْعَمَه، أطالَ الفِكْرةَ فيه. انظر: "تاج العروس"، للزبيدي (٣٣/ ٥١٢).
(٣) هذه القاعدة تفيد تحريم الاجتهاد في حكم مسألة ورد فيها نص من الكتاب أو السُّنة أو الإجماع؛ لأنه إنما يحتاج للاجتهاد عند عدم وجود النص، أما عند وجوده فلا اجتهاد إلا في فهم النص ودلالته".
قال ابن قدامة في "روضة الناظر" (١/ ٥٠٦): "النص قد يرد في مقابلة الأدلة العقلية التي تندرج تحت اسم الاجتهاد، ولذلك يقال: لا اجتهاد مع النص. وهذا يشمل جميع النصوص الشرعية من الكتاب أو السُّنة، سواء أكانت قطعية أم ظنية. وقد يرد في مقابلة الظاهر والمجمل".

<<  <  ج: ص:  >  >>