للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصلاة والسلام: "سُبْحَان الله! إن المؤمنَ لا ينجس" (١)، قالوا: هذا نصّ على أن المؤمن لا ينجس، وأبو هريرة كان جُنبًا، ونفى الرسول نجاسته.

وأما دعوى: "لَا يبولنَّ أحدُكُم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابةٍ" (٢)، فالموازنة هنا غير قائمة، وإنما نُهِيَ عن ذلك صيانةً للماء، وحفاظًا عليه، واحترامًا له، وليس معنى ذلك أنه ينجس من جسم الجنب؛ لأنه قام مرةً في هذا الحديث وغيره.

أمَّا الذين يقولون بأن الماء بقي طهورًا، وأنه لم يتأثر، فإنَّهم يقولون: انفصل من أعضاءٍ طاهرةٍ، فلا تأثير لها، وليس هناك ما يخرجه من الماء المطلق.

وَالَّذينَ يَقُولُون بأنه لا يُتَطهَّر به، وإنما هو طاهرٌ، يقولون: كَانَ الرَّسُولُ -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه يُسَافرون، ومع قلَّة الماء وشحِّه ما عُرِفَ أنَّهمْ كانوا يجمعون ما بَقِيَ من وضوئهم، ثم يعودون فيتوضَّؤون به، فلَوْ كان ذلك طهورًا، لَفَعلَ ذَلكَ الصَّحابة خُصُوصًا وهُمْ في أشد الحاجة إلى الماء (٣).

وعَلَى كل حَال، فَهَذا الدليلُ ليس نصًّا، وإنَّما هو تَلَمس، وأمَّا الَّذين يَقُولُون بأنَّه طاهرٌ وطهورٌ، فحُجَّتهم: بقاؤه على طهورّيَته، وعلى إطلاقه، فما المانع؟

كَمَا كَان الرسول -علَيه الصلاة والسلام- يتوضأ ويغتسل هو


(١) أخرجه البخاري (٢٨٣) ومسلم (٣٧١)، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب، فانخنست منه، فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ "، قال: كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارةٍ، فقال: "سُبْحانَ الله! إن المسلم لا ينجس ".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (١/ ٤٤): "ولأن الصحابة والتابعين -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- ومَنْ بعدهم كانوا يسافرون ولعدمون الماء، فيتيممون، وما روي عن أحدٍ منهم أنه توضأ بالماء المستعمل ".

<<  <  ج: ص:  >  >>