للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شكَّ أن الصيام عبادةٌ، ولكن اختلف العلماء في كونها عبادة معقولة المعنى قصد بها الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وما يلحق بذلك من المفطرات، أو هي عبادةٌ غير معقولة المعنى -أي: غير معللةٍ- ينبغي أن نسلم لها في هذا المقام ولا نبحث عن كنهها وحقيقتها.

فمن رأى أنها عبادةٌ غير معقولة المعنى أوجب النية، ومن رأى أنها عبادة معقولة المعنى قال: قد حصل المعنى إذا صام وإن لم ينوِ.

قوله: (لَكِنَّ تَخْصِيصَ زُفَرَ رَمَضَانَ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ فِيهِ ضَعْفٌ) اعتراضٌ من المؤلِّف رَحِمَهُ اللَّهُ على ما ذهب إليه زفر.

والصومُ من حيث الجُملة ينقسم إلى واجبٍ وإلى غير واجبٍ، والواجب منه ما هو فرض -أي: ركن- وهو صيام شهر رمضان، ومنه ما يكون قضاءً لرمضان فتستمرُّ ركنيتُه، والفرق بين القسمين أنَّ الصوم في رمضان صيامٌ في ظرفٍ محددٍ وهو شهر رمضان، والقضاء فهو لما فات منه لعذرٍ فيجب أنْ يُقضى.

واختلف العلماء في مسألة اشتراط التَّتابع في صيامه (١)، والصحيح


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٧٦) حيث قال: وأما غير المتتابع: فصوم قضاء رمضان، وصوم المتعة، وصوم كفارة الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر المطلق، وصوم اليمين؛ لأنَّ الصوم في هذه المواضع ذكر مطلقًا عن صفة التتابع، قال اللَّه تعالى في قضاء رمضان: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ أي: فأفطر فليصم عدةً من أيامٍ أُخر. . . ذكر اللَّه تعالى الصيام في هذه الأبواب مطلقًا عن شرط التتابع.
مذهب المالكية، يُنظر: "التاج والإكليل" للموَّاق (٣/ ٣٢٨) حيث قال: (وتعجيل القضاء ومتابعته) اللخمي: يستحب أن يقضي رمضان متتابعًا عقب صحته أو قدومه؛ لأنَّ المبادرة إلى امتثال الطاعات أولى من التراخي عنها، وإبراء الذمة من الفرائض أولى، وليخرج عن الخلاف لقول من يقول: القضاء على الفور، ولقول من يقول: القضاء متتابعًا (ككل صوم لم يلزم تتابعه) من المدونة قال مالك: ما ذكر اللَّه من صيام الشهور فمتتابعٌ وأما الأيام فمثل قضاء رمضان وكفارة اليمين وصيام الجزاء والمتعة وصيام ثلاثة أيام في الحج، فالأحب إليَّ أن يتابع ذلك كله فإنْ فرقه أجزأه.
مذهب الشافعية، يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٣/ ١٨٧) حيث قال: ولا يجب =

<<  <  ج: ص:  >  >>