للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرع المؤلِّف في بيان أحكام صوم المسافر، وقد رخص للمسافر في أحكامٍ كثيرةٍ -في الطهارة والصَّلاة والصَّوم وغيرها- وذلك أنَّ السفر مظنَّةُ المشقة، فقد تلحقه تلك المشقَّة في بدنه أو في نفسه، فخفَّف عنه لأجل ذلك.

* قوله: (هل إنْ صام أجزأه صومه أم ليس يجزئه؟): الصَّحيح في هذه المسألة أنه يجزئه، ومن أهل العلم من يرى أنَّ الصيام في السفر أفضل (١)، وهناك من يخير بين الأمرين (٢)، وهناك من يرى أنَّ الفطر


(١) وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو وجهٌ عند الحنابلة، أنَّ الصوم أفضل، إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه.
مذهب الحنفية، يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٢/ ٣٥١) حيث قال: وإن كان مسافرًا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل، وإن أفطر جاز) لأنَّ السفر لا يعرى عن المشقة فجعل نفسه عذرًا، بخلاف المرض فإنه قد يخفف بالصوم فشرط كونه مفضيًا إلى الحرج.
وقال الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ: الفطر أفضل لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس من البر الصيام في السفر".
مذهب المالكية، يُنظر: "حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني" (١/ ٤٥٣) حيث قال: (والصوم) في السفر (أحب إلينا)؛ أي: إلى المالكية لمن قوي عليه على المشهور. لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}.
مذهب الشافعية، يُنظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (٦/ ٢٦٥) حيث قال: (فرع) في مذاهبهم فيمن أطاق الصوم في السفر بلا ضررٍ هل الأفضل صومه في رمضان أم فطره، قد ذكرنا مذهبنا أن صومه أفضل، وبه قال حذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وعثمان بن العاص -رضي اللَّه عنهم-.
مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشَّاف القناع" للبهوتي (٢/ ٣١١) حيث قال: (والمسافر سفر قصرٍ يسن له الفطر إذا فارق بيوت قريته) العامرة (كما تقدم في القصر) موضحًا لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (ويكره صومه ولو لم يجد مشقةً) لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس من البر الصوم في السفر" متفقٌ عليه، من حديث جابرٍ ورواه النسائي وزاد: "عليكم برخصة اللَّه التي رخَّص لكم فاقبلوها"، وصحَّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لما "أفطر في السفر وبلغه أن قوما صاموا قال: "أولئك العصاة". . . قال المجد: وعندي لا يكره لمن قوي واختاره الآجري (ويجزئه)؛ أي: يجزئ المسافر الصوم برمضان نقله الجماعة، ونقل حنبلٌ: لا يعجبني.
(٢) يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (٣/ ١٤٣) حيث قال: ولأبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حرفان؛ أحدهما: أنَّ أداء صوم رمضان غير مستحق على المسافر في هذا الوقت ولكنه مخيرٌ بين الصوم والفطر مع قدرته على الصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>