للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الذي أشار إليه المؤلف، ومنه قوله تعالى في تحريم أكل أموال اليتامى: ({إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)}) [النساء: ١٠].

فهذه الآية نصٌّ في تحريم أكل مال اليتيم ظلمًا، ومثله: لو جاء إنسان فأخذ مال اليتيم فأحرقه أو أغرقه، أو بدَّده ووزَّعه، فكل ذلك إتلافٌ لمال اليتيم، فالعلة الموجودة في المسكوت عنه هي نفسها أيضًا القائمة في المنطوق به، فاللَّه تعالى حرَّم أكل مال اليتيم، إذًا الآية تتضمن النهي عن إتلاف مال اليتيم بكل حالٍ، لكنها نطقت بالأكل وسكتت عن الأُمور الأُخرى فتلحق بها.

إذًا لحن الخطاب الذي يقصده المؤلف هنا هو مفهوم الموافقة المساوي. وهو ما يُشير إليه النصُّ لا تصريحًا، وإنما يرد ضمنًا في النصِّ من آيةٍ أو حديثٍ دون أن يصرح به، قال تعالى عن المنافقين: ({وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠]).

وأما مفهوم المخالفة (١)، فهو ما يُعرف أيضًا بدليل الخطاب، والمؤلف يعبر عنه كثيرًا بدليل الخطاب؛ أي: ما دل عليه الخطاب أو أرشد إليه.

* قوله: (فَمَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى الْمَجَازِ قَالَ: إِنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر، لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، وَمَنْ قَدَّرَ (فَأَفْطَرَ) قَالَ: إِنَّمَا فَرْضُهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إِذَا أَفْطَرَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ يُرَجِّحُ تَأْوِيلَهُ بِالْآثَارِ الشَّاهِدَةِ لِكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ أَنْ يُحْمَلَ الشَّيْءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ).

مراد المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ العلماء تجاذبوا هذه الآية فكلٌّ يتخذها دليلًا


(١) تقدَّم تعريفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>