للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا تَجَاوَزَ الْبُيُوتَ دَعَا بِالسُّفْرَةِ قَالَ جَعْفَرٌ رَاوِي الْحَدِيثِ: فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَؤُمُّ الْبُيُوتَ؟ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قَالَ جَعْفَرٌ: فَأَكَلَ. وَأَمَّا النَّظَرُ: فَلَمَّا كَانَ الْمُسَافِرُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَ الصَّوْمَ لَيْلَةَ سَفَرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ صَوْمَهُ، وَقَدْ بَيَّتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]).

هذا شروعٌ من المؤلف لبيان سبب الخلاف في الوقت الذي يفطر فيه المسافر قال: (هو معارضة الأثر للنظر) ثم ذكر عدة آثار:

الأول: حديث ابن عباسٍ -رضي اللَّه عنهما- وقد مرَّ ذكره- أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صام حتى بلغ الكَديد ثم أفطر وأفطر النَّاس معه، وكان ذلك في رمضان، وقد ترجم البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ على هذا الحديث بقوله: (باب من أفطر في السفر ليراه الناس)، وقد جاء في بعض الروايات ذكر الكديد، وفي بعضها (عسفان)، والكَديد من أعمال عسفان، وهي تبعد عن مكة اثنين وأربعين ميلًا (١).

واختلف أهل العلم هل كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نوى الصيام أو لا؟ لكن الظَّاهر -كما ذكر المؤلف- أنَّ الذين معه كانوا قد نووا الصيام بدليل أنهم أفطروا، ومن توقَّف منهم عن الفطر قد أنكر عليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

الثاني: حديث جابرٍ -رضي اللَّه عنه- وقد سبق ذكره أيضًا - وإنما كرَّره المؤلف هنا لتشابه المسائل بعضها ببعضٍ في فتح مكة وفيه: "أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سار حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم وصام الناس، ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر إليه الناس ثم شرب"، فهو إنما رفعه ليراه الناس فيقتدون به، ولذا أنكر


= صاحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفينةٍ من الفسطاط في رمضان، فرفع ثم قرب غداه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة: "أترغب عن سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" قال جعفر في حديثه: فأكل. وصحَّحه الألباني في "إرواء الغليل" (٩٢٨).
(١) تقدَّم معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>