للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تعارض إذن بين الآية والحديث، بل يُعدُّ الحديثُ مخصِّصًا للآية، وليس في الفطر في هذه الحال إبطالٌ للأعمال، وإنما فيه اقتداءٌ بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وامتثالٌ لأمره فهو أسوةُ المؤمنين، وقد أمر اللَّه بالاقتداء به، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١].

وبهذا نتبين أنَّ هذا هو الأولى وهو الذي أخذ به عامة العلماء، وهو أنَّ الإنسان إذا خرج في سفرٍ فله أن يفطر، فذلك أمرٌ فعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن فعله كان مقتديًا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

* قوله: (وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي إِمْسَاكِ الدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ عَنِ الْأَكْلِ أَوْ لَا إِمْسَاكِهِ، فَالسَّبَبُ فِيهِ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَشْبِيهِ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ شَكٍّ أَفْطَرَ فِيهِ الثُّبُوتُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَنْ شَبَّهَهُ بِهِ قَالَ: يُمْسِكُ عَنِ الْأَكْلِ، وَمَنْ لَمْ يُشَبِّهْهُ بِهِ قَالَ: لَا يُمْسِكُ عَنِ الْأَكْلِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَكْلُ مَوْضِعِ الْجَهْلِ، وَهَذَا أَكْلٌ لِسَبَبٍ مُبِيحٍ أَوْ مُوجِبٍ لِلْأَكْلِ، وَالْحَنَفِيَّةُ تَقُولُ: كِلَاهُمَا سَبَبَان مُوَجِبَانِ لِلْإِمْسَاكِ عَنِ الْأَكْلِ بَعْدَ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ).

يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم (١) فاقدروا له" (٢)، وفي روايةٍ: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا" (٣)، وقد مرَّ ذكر الخلاف فيه


(١) "غمَّ عليكم": بضم الغين وشد الميم أي: ستره الغمام وحال دون رؤية الهلال. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٣/ ٣٨٨). "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ١٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٠٧) ومسلم (١٠٨٠/ ٦) عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
(٣) أخرجه البخاري (١٩٠٩) ومسلم (١٠٨١) عن أبي هريرة قال: قال: أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".

<<  <  ج: ص:  >  >>