للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أنسأ (١) اللَّه في عمره -يعني أطال- فسيكتب كتابًا في فروع مذهب مالك، ولم نقف له على ذلك، وربما أنَّه كتب أو لم يكتب.

لكنَّ الشاهد هنا أنَّ المؤلف ذكر في هذه المسائل: المغمى، والمجنون، وكان ينبغي عليه أن يذكر حكم النائم كذلك، ولكنه لم يذكره؛ لأنَّه لا يترتب عليه حكمٌ يختلف عن غيره، ولذلك ذكر المجنون، والمغمى عليه، وهو في هذا يُشير إلى حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المرويِّ عن عليٍّ، وغيره: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النَّائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصَّغير حتى يبلغ" (٢).

فهؤلاء الثلاثة قد رفع عنهم القلم، يعني: أنَّهم لا يُكلَّفون في هذه الأحوال، فلا تكليف على نائم: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلِّها متى ذكرها، فإنَّه لا كفارة لها إلَّا ذلك" (٣)، وكذلك المجنون لا تكليفَ عليه؛ لأنَّه مسلوب العقل، والمغمى عليه لا يدرك ما يحيط به، لكنه يختلف عن المجنون؛ لأنَّ المجنون غالبًا جنونه يطول، أمَّا المغمى عليه فلا يطول، ويتضح ذلك في كتاب الولاية: (أنَّ المُغمى عليه لا تسلب الولاية عنه، وأمَّا المجنون فإنَّه توضع عليه الولاية)، بمعنى: أن يكون هُناك ولي يرعاه كاليتيم.

وأمَّا بالنسبة للنائم، فلو قُدِّرَ أنَّه صام -يعني: نوى من الليل، ثم تسحَّر وصام- ثم نام حتى غربت الشمس؛ فهل صيامه صحيح؟

الجواب: نعم، بلا خلافٍ بين العلماء (٤)؛ لأنَّ هذا نائمٌ.


(١) يقال: نسأ اللَّه في أجله وأنسأ اللَّه أجلك؛ أي: أَخَّره وأبقاه. "تاج العروس" (١/ ٤٥٥).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٤٠٢)، وغيره. وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢/ ٤).
(٣) أخرجه البخاري (٥٩٧)، ومسلم (٦٨٤) واللفظ له.
(٤) مذهب الأحناف، يُنظر: "الدر المختار" لابن عابدين (٢/ ٣٧٧) "حيث قال: (قوله: فلا تصح قبل الغروب) فلو نوى قبل أن تغيب الشمس أن يكون صائمًا غدًا ثم نام أو أغمي عليه أو غفل حتى زالت الشمس من الغد لم يجز، وإن نوى بعد غروب =

<<  <  ج: ص:  >  >>