للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلوم أنَّ المجنون لا تكليفَ عليه، وأنَّه قد رفع عنه القلم؛ فلو قدر أنَّ هذا المجنون صحا بعد ذلك، فهل يقضي ذلك اليوم أم لا؟ وهل هناك فرق بين أن يرتفع جنونه في هذا اليوم ثم يعود أو لا؟

لا شكَّ أنَّ الرَّأي الصحيح أنَّه لا يلزمه القضاء (١)؛ لأنَّ المجنون غير مكلفٍ، ولأنَّ جنونه يطول في الغالب، بخلاف المغمى عليه: فإنَّ الإغماء وإن امتدَّ فإنَّ فترته مؤقتةٌ.

أمَّا الإغماء الذي يعرف الآن بموت الدماغ؛ فتختلف حالته إذا امتد بالإنسان، لكنَّ كلامنا عن الإغماء المعروف الذي قد يعتري بعض الناس، ثم يزول في فترة، فهذا الذي أغمي عليه إن صحا في نهاره، فصيامه صحيح، وهذا يعدُّ شبه اتفاق بين الفقهاء، وإن لم يستيقظ -بمعنى لم يفق في جزءٍ من نهاره- فالجمهور على أنَّ صيامه لم يصح.

والمجنون لا يصح صيامه، وإذا زال جنونه بعد ذلك فلا يطالب بالقضاء على الرأي الصحيح، وعند المالكية (٢) في رواية: يطالب، وقد أشار المؤلف إلى ذلك.


(١) اختلف العلماء في قضاء المجنون. أما الأحناف والمالكية فقالوا بوجوب القضاء:
مذهب الأحناف، يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (١/ ٣٣٩) حيث قال: "بخلاف المجنون إذا أفاق في بعض النهار حيث يجب عليه أن يصوم ذلك اليوم ويجب عليه قضاؤه إن لم يصم".
مذهب المالكية، يُنظر: "التاج والإكليل" لأبي عبد اللَّه المواق (٣/ ٣٤٢) حيث قال: "وإن جن ولو سنين كثيرة أو أغمي يومًا أو جلّه أو أقلّه ولم يسلم أوله فالقضاء".
وقالت الشافعية والحنابلة: لا يلزمه القضاء.
مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (٢/ ١٧٠) حيث قال: " (و) دون (الصبا والجنون) فلا يجب قضاء ما فات بهما لارتفاع القلم عمن تلبس بهما".
مذهب الحنابلة، يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (٣/ ٢٩٣) حيث قال: "والصحيح من المذهب: أن المجنون لا يلزمه القضاء. سواء فات الشهر كله بالجنون أو بعضه، وعليه الأصحاب".
(٢) سبق بيان المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>