للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى صِفَةِ الْقَضَاءِ، أَصْلُ ذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ).

يعني قياسًا على الحج والصلاة، لكن هذا القياس قياسٌ مع الفارق؛ لأنه في شهر رمضان لا يمكن إلا أن تؤديه إلّا متتابعًا؛ لأنه ظرف ضيق تؤدى فيه هذه العبادة، أما بعد أن يخرج رمضان فإن الوقت يتسع أمامك. فهذا هو سبب تفريق الجمهور بين هذا وذاك.

* قوله: (أَمَّا ظَاهِرُ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، فَإِنَّمَا يَقْتَضِي إِيجَابَ الْعَدَدِ فَقَطْ، لَا إِيجَابَ التَّتَابُعِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: نَزَلَتْ: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ)، فَسَقَطَتْ: مُتَتَابِعَاتٌ (١)).

يعني الآية: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} بدون (متتابعات)، لكن عائشة -رضي اللَّه عنهما- ذكرت أن الآية كانت في الأصل: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ)، ولو بقيت الآية هكذا لكانت نصًّا في المسألة، ولا اجتهاد مع النص. قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١].

قوله: "فسقطت (متتابعات) " قد بيَّن البيهقي (٢) رَحِمَهُ اللَّهُ أن المراد بـ (سقطت) يعني: نسخت، وقال ابن حزم (٣): يعني سقط حكمها؛ لأن الآية لا يتغير حكمها إلا بما ينزل عن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهنا بعض الآية قد زال، فزال حكمه.


(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٣/ ١٧٠). وقال: هذا إسناد صحيح.
(٢) يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٤/ ١٤٣) حيث قال: "قولها: سقطت. تريد نسخت، لا يصح له تأويل غير ذلك".
(٣) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٤/ ٤٠٩) حيث قال: "سقوطها مسقط لحكمها؛ لأنه لا يسقط القرآن بعد نزوله إلا بإسقاط اللَّه تعالى إياه".

<<  <  ج: ص:  >  >>