للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحرير والصيام من كفارة رمضان في شيء. وهذا القول ليس بشيء؛ لمخالفته الحديثَ الصحيح، مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه، ولا شيء يستند إليه، وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحق أن تُتَّبَع.

وأما الدليل على وجوب الترتيب فالحديث الصحيح، رواه معمر، ويونس، والأوزاعي، والليث، وموسى بن عقبة، وعبيد اللَّه بن عمر، وعراك بن مالك، وإسماعيل بن أُميَّةَ، ومحمد بن أبي عتيق، وغيرهم، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للواقع على أهله: "هل تجد رقبة تعتقها؟ "، قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ "، قال: لا. قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ "، قال: لا. وذكر سائر الحديث، وهذا لفظ الترتيب، والأخذ بهذا أولى من رواية مالك؛ لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا، سوى مالك وابن جريج، فيما علمنا، واحتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه.

ولأن الترتيب زيادة، والأخذ بالزيادة متعين؛ ولأن حديثنا لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحديثَهم لفظ الراوي، ويحتمل أنه رواه بـ (أو)؛ لاعتقاده أن معنى اللفظَين سواء؛ ولأنها كفارة فيها صومُ شهرين متتابعين، فكانت على الترتيب، ككفارة الظِّهَار والقتل.

* قوله: (وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ مَالِكٍ الِابْتِدَاءَ بِالْإِطْعَامِ (١) فَمُخَالِفٌ لِظَوَاهِرِ الْآثَارِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى الصِّيَامَ قَدْ وَقَعَ بَدَلَهُ الْإِطْعَامُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنَ الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤]. وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ مَاتَ


(١) يُنظر: "تفسير الموطأ"، للقنازعي (١/ ٢٩١)، حيث قال: "والذي يَسْتَحِبُّ مَالِكٌ الإطْعَامَ؛ لأن به وَاقع تَكْفِيرِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الوَاطِئ في رَمَضَانَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>