للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١): لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَذَلِكَ صَاعٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ. أَمَّا الْقِيَاسُ: فَتَشْبِيهُ هَذِهِ الْفِدْيَةِ بِفِدْيَةِ الْأَذَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْأَثَرُ: فَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْكَفَّارَةِ: أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، لَكِنْ لَيْسَ يَدُلُّ كَوْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِلَّا دَلَالَةً ضَعِيفَةً، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ).

إن لم يستطع سيقوم بإطعام ستين مسكينًا:

لكل مسكين مدٌّ من بُرِّ، أو نصف صاع من تمر أو شعير، ليس في ذلك خلاف بين أهل العلم، والواجب فيه إطعام ستين مسكينًا، في قول عامتهم، ولأنه إطعام في كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فكان إطعام ستين مسكينًا ككفارة الظِّهَار.

ولكنهم اختلفوا في قدر ما يطعم كل مسكين:

فذهب أحمد: إلى أن لكل مسكين مُدَّ بُرٍّ، وذلك خمسةَ عشرَ صاعًا أو نصف صاع من تمر، أو شعير، فيكون الجميع ثلاثين صاعًا.

وقال أبو حنيفة: من البر لكل مسكين نصف صاع، ومن غيره صاع؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث سلمة بن صخر: "فأطعِمْ وَسْقًا من تَمر".

والمُدُّ من البُرِّ يقوم مقام نصف صاع من غيره، بدليل حديثنا، ولأن الإجزاء بمُدِّ منه قول ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وزيد -رضي اللَّه عنهم- ولا مخالف لهم في الصحابة.

وأما حديث سلمة بن صخر -رضي اللَّه عنه-، فقد اختُلف فيه، وحديث أصحاب


(١) يُنظر: "شرح مختصر الطحاوي"، للجصاص (٢/ ٤٢٢)، حيث قال: "قال أبو جعفر: (ويطعم كل مسكين نصف صاع من بُرّ، أو صاعًا من تمر) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>