للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَلَّبَهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إِنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ عَارَضَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الثَّابِتُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَوْمِ النَّحْرِ" (١). فَدَلِيلُ الْخِطَابِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ يَصِحُّ الصِّيَامُ فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ تَخْصِيصُهُمَا عَبَثًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (٢)).

أيام التشريق منهي عن صيامها؛ لما روى نبيشة الهذلي -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشرب، وذِكْر للَّه عزَّ وجلَّ".

وروي عن عبد اللَّه بن حذافة -رضي اللَّه عنه- قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيام مِنى أنادي: أيها الناس، إنها أيام أكل وشرب وبعال. إلا أنه من رواية الواقدي، وهو ضعيف.

وعن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، أنه قال: هذه الأيام التي كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر بإفطارها، وينهى عن صيامها. قال مالك: وهي أيام التشريق.

ولا يحل صيامها تطوعًا، في قول أكثر أهل العلم، وعن بعضهم صيامها، والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صيامها، ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره.

وأما صومها للفرض، ففيه قولان:


(١) أخرج مسلم (٨٢٧) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي اللَّه عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قَالَ: فَأَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ".
(٢) يُنظر: "التحبير لإيضاح معاني التيسير"، للصنعاني (٦/ ٢٦٩)، حيث قال: "قوله: "لا يصلح الصيام في يومين" وإذا لم يصلح فلا يحل؛ لأن الصالح شرعًا هو المأذون فيه لا المنهي عنه، وعدم الصلاحية تستلزم النهي وبينهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>