للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (فَذَهَبَ مَالِكٌ بِالأَمْرِ بِإِرَاقَةِ سُؤْرِ الكَلْبِ، وَغَسْلِ الإِنَاءِ مِنْهُ، إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ) (١).

هناك عبادةٌ معلَّلة (٢) (معقولة المعنى)، وأُخرى غير مُعلَّلةٍ (غير معقولة المعنى)، فالوُضُوءُ مثلًا له ناحيتان؛ فَهُو إلى جانب كونه عبادة فهو نظافةٌ، فمَنْ يقول بأنه يشترط فيه النية يقول: هو عبادة محضة. ومَنْ يقول: ليست النية شرطًا فيه، يلحظ فيه قضية النظافة، فهو - من غير شكِّ - عبادة؛ لأنه طاعةٌ لله، واستجابة لما وجه إليه الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا يَقْبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" (٣)، "لا يقبل الله صلاةً بغير طهورٍ" (٤)، "الطهور شطر الإيمان" (٥)، وفي نفس الوقت تلحظ أنه عبادةٌ مُعلَّلةٌ يعني: معروفة العلة، ونقف على كنهها، ونستطيع أن نعللها، وهي النظافة.

وبالتطور الطبي فقد وقفنا على العلة في اللُّعاب، حيث إن فيه مادةً لا يزيلها إلا التراب، وبذلك يبين هذا الإعجاز الذي جاء في كتاب الله - عز وجل -، وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما أخبر عنه أيضًا قبل قرون كثيرة، ومَا أكثرَ الأُمُورَ التي تحدَّث عنها الكتاب والسُّنة، ثم جاء العِلْمُ الحديثُ وتقدمه، فأثبتها كَمَا جاءَ به الوحي.


(١) تقدم قوله.
(٢) يُنظر: "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (١/ ٥٤٨)، حَيْث قال: "التعبُّد من الله تعالى لعباده على معنيين، أحدهما: التعبد في الشيء بعينه لا لعلة معقولة، فما كان من هذا النوع لم يجز أن يقاس عليه. والمعنى الثاني: التعبد لعلل مقرونة به، وهي الأصول التي جَعَلها الله تعالى أعلامًا للفقهاء، فردوا إليها ما حدث من أمر دينهم مما ليس فيه نص بالتشبيه والتمثيل عند تساوي العلل من الفروع بالأصول".
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٥٤)، واللفظ له، ومسلم (٢٢٥).
(٤) أخرجه مسلم (٢٢٤).
(٥) أخرجه مسلم (٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>