للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تفترسه السباع، هذا كله كان موجودًا، ويأتي إنسان فتعترضه جماعة من الوحوش ومن اللصوص فيسلبون ما معه، وربما قتلوه فجاء رَحِمَهُ اللَّه فأرخى الأمن أولًا، وأزال كل أسباب الخوف؛ لماذا؟ لأنه عندما يتقرب الإنسان إلى الحق تبعد عنه هذه الوحشة، فكان الناس فيما مضى في جفوة، وكانوا متنافرين مختلفين، فنشر بينهم رحمه اللَّه العلم، وأرسل الدعاة والمُوجهين، وجعلهم يَهدون بهدي القرآن؛ فكانت النتيجة كثرة أتباعهم، واستقامة نفوسهم، وهداية قلوبهم، فزالت تلك الوحشة والفجوة التي كانت فيهم، وأصبح الكل إخوة متحابين، وهذه نتيجة تطبيق شريعة اللَّه، فانظر إلى قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تَؤم البيت لا جوار معها"؛ أي: ليس معها حامي (لا رجل ولا غيره)، وإنما من الذي يَحميها؟ هو اللَّه، فتخاف من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فهذا دليل آخر استدل به هؤلاء.

ثم استدلوا بدليل ثالث قياسي، فقالوا: أليست المرأة لو أسرها العدو، ثم استطاعت أن تنفك من ذلك الأسر وتخرج أليست تسافر وحدها؟ نقول: بلى. قالوا: إذًا؛ لماذا نَمنع المرأة أن تسافر إلى الحج؛ فتلك سفر طاعة، وهذا -أيضًا- سفر طاعة؛ فلماذا نُفرق بينهما؟

أما الفريق الآخر فأدلتهم واضحة وصريحة، وهي نصوص جاءت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي مَحرم" (١)، وجاء تقييد ذلك في الحج في قصة الرجل الذي اكتتب في غزوة، فأمره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَنطلق وراء زوجته؛ فأنكر عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- صنيعه، وأمره أن يذهب مع زوجته لِيَحج معها (٢)، ولو لم يكن المحرم واجبًا لما أمره بذلك وأكد عليه، ولا سِيَّما أنه اكتتب للخروج لغزوة ما.

وجواب الذين قالوا: إن المحرم شرط: أجابوا عن تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة يقصد به -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجال، فهم الأصل والنِّساء تَبع لهم.


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>