للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وأمَّا قصة المرأة الأسيرة، تلكم التي جاء لصوص هاجموا على المدينة، فأخذوا ناقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- القصواء، ومعها امرأة، ثم لما كانت في جنح الظلام في الليل أخذت تضع يدها على كل بعير فيُخرج صوتًا حتى وضعت يدها على تلكم الناقة، فلم تُخرج صوتًا، فكانت هي القصواء، فجاءت بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت قد نذرت أن تذبحها، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر عليها ذلك، وقال لها: "بِئس ما جَزيتها" (١)، وبَيَّن لها أنه لا نذر فيما لا يَملك ابن آدم، وأنها لا تملك هذه الناقة، وقد مَرَّ بنا قريبًا في أحكام النَّذر.

الفريق الآخر أجاب، فقال: نعم، هذه المرأة التي أُسِرت وأخذت إلى أرض العدو كانت تعيش في خطر محقق، بينما لو وجدت فرصة أو لاحت لها مناسبة واستطاعت أن تفر، فإن الخوف هنا مظنون، فهل تبقى في الخوف المتيقن المتحقق أو أن تُغامر في خوف ربما يقع وربما لا يقع؟ لا شك أن خروج المرأة إنما هي ضرورة، والضرورات تُبيح المحظورات، وقد قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ضَرَر ولا ضِرَار" (٢)، ومنه أخذ


(١) أخرجه أبو داود (٣٣١٦)، عن عمران بن حصين، قال: "كانت العضباء لرجل مِن بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، قال: فَأُسِر، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في وثاق، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد، علام تأخذني، وتأخذ سابقة الحاج؟ قال: "نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف"، قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: وقد قال فيما قال: وأنا مسلم - أو قال: وقد أسلمت. . .، فأغار المشركون على سرح المدينة، فذهبوا بالعضباء، قال: فلما ذهبوا بها، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم، قال: فنوموا ليلة، وقامت المرأة فجعلت لا تَضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت على العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة، قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نَجَّاها اللَّه لتنحرنها، قال: فلما قَدمت المدينة عرفت الناقة؛ ناقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر بنذرها، فقال: "بئس ما جزيتيها -أو: جزتها- إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم"، وصححه الألباني في "المشكاة" (٣٤٣٧).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠)، وصححه الألباني في "الإرواء" (٨٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>