للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من قال: إنها سنة، وتعلمون أن الواجب هو الذي إذا فعله الإنسان أُثيب عليه، وإذا تركه عُوقب على تركه، وأن السنة هي التي إذا فَعَلها الإنسان أثيب عليها بها وإذا تركها لا يعاقب عليها، فهناك فرق بين الواجب وغيره، فما حجة الذين يقولون إنها واجبة؟

استدلوا بعدة أدلة ونحن لا نريد أن نَدخل في التفاصيل، لكن من أصرح الأدلة وأصحها بالنسبة للأحاديث: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- عندما سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هل عَلى النِّساء جِهاد؟ ونحن نعلم أن الجهاد من أجل الأعمال؛ لأن المسلم بِه يدافع عن الإسلام، واللَّه؛ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: ١١١]، إذًا هناك بيع وشراء، فتقدم نفسك مقابل الثمن، وهو جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للذين آمنوا باللَّه ورسله، إذًا، قال لها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عليهن جهاد لا قتال فيه: الحَج والعمرة" (١)، فذكر هنا مع الحج العمرة، ومحل الشاهد من هذا الحديث على أن العمرة واجبة هي كلمة: "عليهن"؛ لأن (على) من صيغ الوجوب (٢)؛ أي: يجب عليهن الحج والعمرة،


= أفضل من الوتر)، هذا القول نقله (ح) عن "مناسك ابن الحاج"، وفي النوادر عن مالك: أنَّها سنة مؤكدة مثل الوتر".
وعند الشافعية، الأظهر: أن العمرة فرض في العمر مرة واحدة. يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٢/ ٢٠٦)، حيث قال: (وكذا العمرة) فرض (في الأظهر)، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]؛ أي: ائتوا بهما تامَّيْنِ، ولخبر ابن ماجه والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "قلتُ يا رسول اللَّه: هل على النساء جهاد؟ قال: "نَعَمْ، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة".
والمذهب عند الحنابلة: أن العمرة فرض في العمر مرة واحدة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ٣٧٧)، حيث قال: " (ويَجبان في العمر مرة واحدة). . . (على الفور) -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَنَصَّ عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيأثم إن أخَّر بلا عذر، بناءً على أن الأمر المطلق للفور".
(١) أخرجه ابن ماجه (٢٩٠١)، وصححه الألباني في "الإرواء" (٩٨١).
(٢) يُنظر: "شرح الكوكب المنير" لابن النجار (١/ ٣٥٤ - ٣٥٦)، حيث قال: ""وصيغتهما"؛ أي: صيغة الوجوب والفرض كوجب وفرض. وكذا واجب وفرض. =

<<  <  ج: ص:  >  >>