للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: هذا دليل على أن العمرة واجبة على المسلم مرة في العمر.

ودليل آخر: لما جاء الصَّبي بن معبد إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال له: "إني أسلمتُ وإني وجدت أن الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فأهللتُ بهما، فقال له عمر -رضي اللَّه عنه-: هُدِيت إلى سنة نبيك -صلى اللَّه عليه وسلم-" (١).

فهذه نعمة عظيمة حيث يُخبر هذا الرجلُ عمرَ -رضي اللَّه عنه- بأنه دخل في الإسلام، ثم بعد ذلك يُخبره بأنه وجد أن الحج والعمرة مكتوبين عليه، أي: مفروضين ومكتوبين عليه، ثم بَيَّن أنه أَهَلَّ بهما؛ أي: أحرم بهما، فبم أجابه عمر -رضي اللَّه عنه-؟ لو لم تكن العمرة واجبة لأرشده عمر إلى الطريق السوي، لقال له: الحج مكتوب والعمرة سنة، لكنه قال له: "هديت إلى سنة نبيك -صلى اللَّه عليه وسلم- ". إذًا، الحج والعمرة من سنن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونعلم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة له لا يجوز (٢)، فلو كان عمر -رضي اللَّه عنه- يرى أن العمرة ليست واجبة لأرشد الرجل إلى ذلك.


= "وحتم" ومنه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}؛ أي: واجب الوقوع بوعده الصادق، وإلا فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجب عليه شيء. فيقال في الواجب: حتم ومحتوم ومحتم، ونحو ذلك. . . "و" وكذا "كتب عليكم" مأخوذ من كتب الشيء إذا حتمه وألزم به، وتُسمَّى الصلوات المكتوبات لذلك".
(١) أخرجه أبو داود (١٧٩٩)، وغيره، عن أبي وائل، قال: "قال الصبي بن معبد: كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا فأسلمت، فأتيت رجلًا من عشيرتي، يقال له: هذيم بن ثرملة، فقلت له: يا هناه، إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، فأهللت بهما معًا، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أُهل بهما جميعًا، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه مِن بعيره، قال: فكأنما أُلقي عليَّ جبل حتى أتيت عمر بن الخطاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إني كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فأتيت رجلًا من قومي، فقال لي: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معًا، فقال لي عمر -رضي اللَّه عنه-: هُديت لسنة نبيك -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وصححه الألباني في "الإرواء" (٩٨٣).
(٢) قال الغزالي في "المُستصفى" (ص ١٩٢): "لا خلاف أنَّه لا يجوز تأخير البيان عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>