للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قصة أبي رَزِينٍ أيضًا عندما جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "يا رسول اللَّه، إنَّ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن"، يعني: لا يستطيع أن يحج ولا أن يعتمر ولا أن يسافر؛ أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حُجَّ عن أبيك واعتمر" (١)، أيضًا هذا دليل ثاني.

ومن الأدلة أيضًا: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- المشهور الذي جاء فيه جبريل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "بينما نحن جلوس عند رسول اللَّه إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه"، ثم سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإسلام. . .، الحديث المتفق عليه (٢)، وفي آخر جواب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإسلام: "وأن تَحج البيت"، في رواية ليست في "الصَّحيحين" ولكنها صحيحة: "وأن تحج


= وقت الحاجة، إلا على مذهب مَن يجوز تكليف المحال، أما تأخيره إلى وقت الحاجة فجائز عند أهل الحق خلافًا للمعتزلة، وكثير من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الظاهر. . . فقالوا: يجوز تأخير بيان المجمل، إذ لا يحصل من المجمل جهل. وأما العام فإنه يُوهم العموم، فإذا أرلد به الخصوص، فلا ينبغي أن يتأخر بيانه، مثل قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، فإنه إن لم يقترن به البيان له أوهم جواز قتل غير أهل الحرب، وأَدَّى ذلك إلى قتل مَن لا يجوز قتله، والمجمل مِثل قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} مهو يجوز تأخير بيانه؛ لأن الحق مجمل لا يَسبق إلى الفهم منه شيء، وهو كما لو قال: حج في هذه السنة، كما سأفصله، أو: اقتل فلانًا غدًا بآلة، سأعينها من سيف أو سكين. وفَرَّق طوائف بين الأمر والنهي وبين الوعد والوعيد، فلم يُجوزوا تأخير البيان في الوعد والوعيد".
(١) أخرجه الترمذي (٩٣٠)، وغيره، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٣١٢٧).
(٢) يعني حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، ما الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخرِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا. . . "، أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٣١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>