للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] ثم قال بعد ذلك: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} [الأنعام: ١٤٥] فإذا اضطر الإنسان إلى أكل الميتة، أو إلى أكل الصيد، والاضطرار إليه، والقصد به أن يخشى على نفسه من الهلاك؛ فإذا كنت في الصحراء، وقد أوشكت على الموت، ولا تجد طعامًا حلالًا بين يديك، ولا تجد أحدًا يسعفك أو يناولك الطعام، ووجدت شاة ميتة، أو أمامك بعير قد نفق، فهل تأكل من هذه الميتة، أو تلقي بنفسك على الأرض تنظر الموت؟ الأولى لك أن تأكل من الميتة؛ لأن مهجة المسلم لا ينبغي له أن يضيعها. والقاعدة تقول: "الأبدان ثم الأديان".

ومثل ذلك في قصة غزوة ذات السلاسل في قصة الرجل الذي جُرح فسأل أصحابه أيتيمم وهو جنب؟ فأمروه بأن يغتسل فمات، فقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قتلوه قتلهم اللَّه" (١)، إن آفة العلم الجهل فإذا كان الإنسان لا يعرف الحكم فيسأل غيره لمعرفته، ولذلك نجد أن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- لما كان في ليلة باردة صلى بأصحابه وهو جنب وكان قائدًا في غزوة فأنكر عليه أصحابه، فلما عادوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبروه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفعلت ذلك يا عمرو؟ " قال: نعم. فقال: "ولمَ؟ " قال أليس اللَّه تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فابتسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُقِرًّا له (٢).

فإذا كان الأمر يتعلَّق بحياة المرء فليأكل الميتة، وليدفع الغص بكأس من الخمر؛ ولكن يعلم بأن "الضرورة تقدر بقدرها" فلا يزيد على مقدار ما يبقيه علي قدر الحياة فإن زاد وقع في الإثم؛ لأن ذلك الفعل ضرورة فإذا انتهت الضرورة رجع إلى ما كان عليه من الحرمة.


(١) أخرجه أبو داود (٣٣٦)، وحسَّنه الألباني. انظر: "صحيح أبي داود" (٣٦٥).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٤)، وصححه الألباني. انظر: "صحيح أبي داود" (٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>