إذن الحرمة في هذه الحالة أصبح اللجوء إليها اضطرارًا، وإذا خاف الإنسان على نفسه، وطُلِب منه أن يعلن الكفر أو أن يقتل بالسيف، فقد أباح اللَّه النطق بها ضرورة مع اطمئنان قلبه بالإيمان، قال تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦]" فالذي يُكره وينطق بكلمة الكفر شريطة أن يكون قلبه قد اطمأن واستقر الإيمان في قلبه؛ أي: يقول ذلك بلسانه فقط.
فالضرورة لها أحكام، وليست على إطلاقها، فلو جاء إنسانٌ لإنسان وقال له: إما أن تزني فى هذه المرة، وإما قتلناك؟ ليس له ذلك؛ وكذلك لو قيل له: إما أن تقتل فلانًا وإلا قتلك؟ ليس له أن يقتله؛ لأنَّ الضرر المترتب على الزنى والقتل أكبر مما اضطر إليه فلا اضطرار في ذلك.
عودٌ على بدءٍ، فلو أن إنسانًا أمامه صيد، وأمامه ميتة فأيهما يأكل منه في حالة الاضطرار؟ إذ هو منهي عن أكل الميتة؛ لأنها محرمة، وهو أيضًا منهي عن قتل الصيد، وعن أكله وهو محرم عليه أيضًا، ففي هذه الحالة ماذا يفعل؟
ذهب أكثر العلماء إلى أنه يجوز له أن يأكل من الميتة؛ لأنَّ الميتة محرمة لذاتها، وهي تحل له أن يأكل منها في حالة الاضطرار، فهنا مانع واحد وهو تحريم الميتة؛ أما الصيد فيحرم عليه في هذه الحالة، وعليه جزاؤه إن صاد.
إذن اجتمعت علتان في الصيد، وهناك علة واحدة في الأكل من الميتة فيأكل من الميتة.
وعللوا أيضًا: بأنَّ الصيد الذي يبطل المحرم يكون ميتًا فيكون قد ساوى الميتة في هذا الوصف وزاد عليها في وصف آخر وهو الصيد، فنقول: لو قُدّر أنَّ إنسانًا وقع في ذلك يستفتي نفسه: "استفت نفسك وإن أفتوك وإن أفتوك" (١)، كما جاء في الأثر، كأن يجد صعوبة ونفسه لا ترتاح
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٩/ ٥٣٣)، عن وابصة الأسدي، وفيه: قال له -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا وابصة استفت قلبك، واستفت نفسك" ثلاث مرات، "البر ما اطمأنت إليه النفس، =