للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن عباس أرَاد أن يجمع بين هذه الأقوال الثلاثة، وأنه ليس هناك تعارض بينها، فالذي سمع تلبية الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد الدخول في النسك لم يسمع تلبيتَه بعد أن عَلَا واستقر وثبت على راحلته، ومنهم مَنْ سمع ذلك عندما علا على البيداء.

* قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ مُتَسَابِقِينَ).

وَالرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- حجَّ معه جمعٌ غفيرٌ من المؤمنين، وربما لَمْ يسمع تلبيتَه إلا مَنْ كان قريبًا منه، فالَّذي كان قريبًا منه، فَسَمعها في أوَّل الأمر، ذكر ذلك، ثمَّ ذكرها غَيره، وهكذا، ونقول: لو أنه لبَّى بعد الدخول في النسك مباشرة، فذلك مشروع، ولو أخَّره قليلًا فمشروع أيضًا، ولو أخَّره حتى يسير بسيارته، فذلك جائزٌ.

* قوله: (فَعَلَى هَذَا، لَا يَكُونُ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَيَكُونُ الإِهْلَالُ إِثْرَ الصَّلَاةِ).

أَيْ: يَأْتُون مسرعين ليأخذوا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناسكهم.

* قوله: (وَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ المَكِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ الإِهْلَالُ حَتَّى إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى؛ لِيَتَّصِلَ لَهُ عَمَلُ الحَجِّ) (١).

وَمُرَادُ المؤلِّف أنه يُهِلُّ كغيره يوم التَّروية (٢)، فلا يَلْزمه الإهلال من


(١) لمذهب الحنفية، يُنظر: "حاشية ابن عابدين" (٢/ ٥٣٧)، حيث قال: " (قوله يوم التروية)؛ لأنه يوم إحرام أهل مكة، وإلا فلو أحرم يوم عرفة، جاز".
ولمذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (٢/ ٢١)، حيث قال: "والأفضل لأهل مكة الإحرام من أول الحجة على المعتمد، وقبل يوم التروية".
ولمذهب الشافعية، يُنظر: "المجموع شرح المهذب"، للنووي (٧/ ٢١٠)، حيث قال: "وينبغي أن يكون إحرام المكي عند إرادته التوجه إلى منى".
ولمذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ٤٨٩)، حيث قال: " (يستحب لمتمتع حلَّ من عمرته ولغيره من المحلين بمكة) وقربها (الإحرام بالحج يوم التروية) ".
(٢) يُنظر: "المطلع" للبعلي (٢٣٢)، حيث قال: "قوله: "يومَ التَّرْوِيَةِ" سمي بذلك؛ لأن =

<<  <  ج: ص:  >  >>