للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يُشْترط في هذه الأمور البحث عن العلة، ذلك أن لَدَينا أمرًا واضحًا حيث يقول الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦].

وقَدْ بَيَّن لنا الرَّسُولُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - ذلك، حيث قال: "إذا ولَغ الكلبُ في إناء أحدكم فَلْيَغْسله" (١)، وهذا فعل مضارع مقترن بلام الأمر، وهذه من صيغ الأمر (٢).

ولا مانعٍ من أن الفقيه يبذل جهده، ويدقق في المسائل، ويغوص في أعماقها محاولاً الكشف عن عِلَلِهَا متى استطاعِ إلى ذلك سبيلًا، وبه يظهر الفرق بين فقيهٍ وآخر، بمَعْنى الفقيه الدَّقيق (أيْ: الفهم الزائد على مجرد الفهم) كما يقول ابن القيم -رحمه الله -.

فَكُلَّما ازدَادَ الإنسَانُ فهمًا، ازدَادَ فقهًا، وكُلَّما كَانَ فَهْمُهُ مَحْصورًا، أو لَا يتعمَّق في المسائل، كان أقلَّ فقهًا.

ومن هنا، فَلا يَنْبغي لطَالب العلم عندما يَدْرس مسألةً أو حكمًا أو أحكامًا أن يتسرَّع فيها؛ لأنَّك قد تأخُذ دليلًا على ظَاهِرٍ، فَتَظن أَنَّ هذَا هُوَ، وانتهَى، لكنَّك لو دقَّقت النظرَ، وَبَحثْتَ في آرَاء الفقهَاء وتَتبَّعتها واحدًا واحدًا، وَحَاولتَ أن تَسْتقصي تلكَ العلل، وأَسْبَاب الخلَاف، لَظَهرت بحكمٍ جديدٍ يَخْتلف عمَّا كان في ذهنك، ولذَلكَ يَقُولُ الرَّسُولُ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) يُنظر: "نهاية السول شرح منهاج الوصول"، للإسنوي (ص ١٦٠)، حيث قال: "لما تقدم أن الأمر هو القول الطالب للفعل، شرع في ذكر صيغته، وهي افعل، ويقوم مقامها اسم الفعل، والمضارع المقرون باللام، والضمير في صيغته إما عائد إلى الأمر أو إلى القول الطالب، وهو الأقرب. وهذه الصيغة ترد لستة عشر معنًى يمتاز بعضها عن بعضِ بالقرائن … الأول: الإيجاب، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ١١٠]، والثاني: الندب كقَوْله تعالى: {يُكْرِهْهُنَّ} "ومنه"، أي: ومن الندب "التأديب"؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: "كل مما يليك".

<<  <  ج: ص:  >  >>