للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ذلكم الذي اهتدوا إليه هو الطريق السوي؛ لأنه لا يمكن أن يُتْرك شيءٌ من جهة الحجر الأسود، ولو تُرِكَ من الجهَة الغربية لأمكنَ، لكن يصبح البيت مستطيلًا، والآن هو أقرب إلى الترجيح، فتركوا تلكم الجهة؛ لأن النفقة قَدْ ضاقت بهم، فلما جاء عبد اللَّه بن الزبير وقد استولى على مكة مدةً من الزمن، وصار هو الخليفة فيها، أعاد بناء البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام، ثم أمر عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي بهَدْم ذلك، وإعادته على البناء الذي هو عليه الآن، وفي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد فكَّر في إعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم، فاستشار العلماء في ذلك، فأشاروا عليه ألا يتخذ البيت وسيلةً للتغير للبناء والهدم، فترك ذلك، وظل على حالته التي نراه عليه اليوم (١).

* قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَوْلَا حَدَثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، وَلَصَيَّرْتُهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ).

وفي روايةٍ: "لولا قومك حديثو عهد بالكفر، لهدمت الكعبة ولجعلتها -أو: لأقمتها- على قواعد إبراهيم" (٢)، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خَشِيَ أَنْ لو غيَّر في البيت والناس لا يَزَالون في أول إسلامهم أن يحصل أمرٌ أو شيءٌ في نفوس بعضهم، فَرَأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، وجاء بعده أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه-، ولم يفعل شيئًا، وعمر وعثمان وعلي كذلك، فانقرض عهد الخلفاء الراشدين


(١) أخرجها مسلم (١٣٣٣)، عن عطاء، قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أَمْره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم -أو يحربهم- على أهل الشام، فلما صدر الناس، قال: يا أيها الناس، أشيروا عليَّ في الكعبة، أنقضها ثم أبني بناءها؟ أو أصلح ما وَهَى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأيٌ فيها، أرى أن تصلح ما وَهَى منها، وتدع بيتًا أسلم الناس عليه، وأحجارًا أسلمَ النَّاس عليها، وبعث علَيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال ابن الزبير: "لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟ إني مستخيرٌ ربي ثلاثًا، ثم عازم على أمري"، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها. . . الحديث.
(٢) أخرجها ابن ماجه (٢٩٥٥)، وصححه الأَلْبَانيُّ في "الإرواء" (١١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>