للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}؛ يعني: خرجتم منها -فالإفاضة: هي الانتقال-، واتجهتم إلى المزدلفة فينبغي أن تكونوا كما قال اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}.

ومعنى ذلك: أي: اذكروه اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فهو الذي هدانا فجعلنا مسلمين، وهذه نعمة عظيمة؛ بل هي أعظم نعمة على الإطلاق؛ فينبغي أن يرفع المسلم بها رأسه، وأن يمد بها صوته فيسأل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يختم له بصالح الأعمال.

فنعمة الهداية للإسلام لا تفوقها نعمة قط.

وإذا دخل المسلم الجنة فإنه يرى أنه لا سعادة بعد سعادته بدخولها؛ فتعقبها سعادة أعظم؛ وهي النظر إلى وجه اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣].

وقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}؛ أي: للقيام بهذه المناسك؛ فهو -عَزَّ وَجَلَّ- الذي هدانا إلى معرفة هذه المناسك، وهو الذي أرشدنا إليها، وهو الذي وفقنا للوصول إلى هذه الأماكن الطاهرة، وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي سيوفقنا بإذنه ومشيئته إلى أن نتم هذه المناسك براحة وطمأنينة وخشوع وذل واستسلام للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

فينبغي أن تكون أعمالنا كلها على وَفق أعمال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأعمال أصحابه الكرام، والسابقين من هذه الأمة.

وينبغي أن نكون مخلصين على مدار هذا النسك العظيم حتى نظفر (١) بخيري الدنيا والآخرة؛ فنعود إلى أوطاننا بتجارة لن تبور، فهذا هو المكسب، وهذه هي السعادة.

ولنحذر كل الحذر من الرياء أو التباهي بالحج أو بالعمرة! فبعض


(١) الظفر: الفلج والفوز بالشيء. انظر: "مقاييس اللغة"، لابن فارس (٣/ ٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>