للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس لما يرجع لبلده، يكتب على دكانه: الحاج فلان! يتفاخر بذلك ويتباهى بأنه حج!

فهذا مما لا ينبغي؛ بل ينبغي أن نشكر اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا نفتخر بأعمالنا؛ فإن الافتخار بها نوع من الرياء.

فالواجب منا إذا عملنا عملًا: أن نخلص فيه لوجه اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا نطلب الجزاء عليه إلا منه، ولا نسأل المغفرة إلا منه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا نطلب التوبة إلا منه -عَزَّ وَجَلَّ-.

ونحن نرى أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ندما يمتن علينا بنعمة من النعم العظيمة يذكرنا بالتوبة والاستغفار؛ فهاهو يقول في هذه الآية الكريمة: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)} [البقرة: ١٩٨، ١٩٩].

فالمسلم مهما قام به من أعمال، ومهما أحسن فيها صنعًا، ومهما أتبع النوافل بالنوافل والطاعات بالطاعات - فلن يصل إلى مُدٍّ مما فعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا إلى معشاره، مع أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ كما قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢]؛ ومع ذلك كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوم الليل يصلي؛ كما جاء في الحديث: فقيل له: يا رسول اللَّه، أليس اللَّه قد غفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" (١).

فكأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يريد أن يقول: إذا كان اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد غفر لي، وجعلني خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل أمتي أفضل الأمم جميعًا، وجعلني صاحب الحوض المورود، وصاحب الشهادة للأمة؛ أفلا أشكر اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على هذا النعيم، وعلى هذا الفضل العظيم، وعلى هذا الجزاء الكبير؟! والشكر يأتي عن طريق هذه العبادة وهي قيام الليل التي يظهر فيها الخضوع والذل.


(١) أخرجه البخاري (٤٨٣٧)، ومسلم (٧٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>