للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان -صلى اللَّه عليه وسلم- أسعد ما يكون بإطلاق وصف العبودية على نفسه؛ لذلك نجد أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذكر هذا الوصف في موضع الثناء عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ حيث قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١]. ففي هذه المعجزة الخارقة للعادات التي كانت معروفة؟ يُسري (١) اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ثم يعرج به إلى السماء.

وقوله سبحانه: {سُبْحَانَ}؛ أي: تنزه تعالى وتقدس.

وقوله سبحانه: {بِعَبْدِهِ}؛ أي: بنبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ولذلك كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم"، يعني: عيسى ابن مريم "إنما أنا عبد" فقير؛ "فقولوا: عبد اللَّه ورسوله" (٢).

فينبغي: أن ننزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المنزلة التى تليق به، وأن نحبه أكثر من أن نحب آباءنا وأبناءنا؛ بل وأنفسنا أيضًا.

فقد جاء في الحديث: أن عمر -رضي اللَّه عنه- قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: واللَّه إنك لأحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يا عمر"، فقال عمر: واللَّه الآن إنك لأحب إليَّ من نفسي! فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الآن يا عمر" (٣) (٤).


(١) (أسرى)؛ أي: سار ليلًا، وبالألف لغة أهل الحجاز وجاء القرآن بهما جميع. انظر: "مختار الصحاح"، للرازي (ص ١٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٤٥).
(٣) أخرجه البخاري (٦٦٣٢).
(٤) يُنظر: "فتح الباري"، لابن حجر (١١/ ٥٢٨)؛ حيث قال: "قال الداودي: وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه إنما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف باللَّه كاذبًا؛ فلما قال له ما قال تقرر في نفسه أنه أحب إليه من نفسه فحلف. كذا قال.
وقال الخطابي: حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه.
قلت: فعلى هذا؛ فجواب عمر أولًا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال =

<<  <  ج: ص:  >  >>