للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد فتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدره للناس يومئذ، وبيَّن لهم ما يحتاجون إليه من مناسكهم -كما هو حاله في كل موقف- فقال هنا لكل سائل: "افعل ولا حرج" (١).

وهذا دليل على سماحة هذه الشريعة، وعلى يسر هذه الشريعة الخالدة، والتي جعل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها حياة الناس وسعادتهم.

إن أولئك الذين يتهمون هذه الشريعة الإسلامية بالتشدد، وبتهمون ما فيها بالقسوة والغلظة أيضًا. . . إلخ، نقول: لو نُقل لأولئك الإسلام - كما جاء في كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ طريًّا، وفي سنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونقلت لهم أفعال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما في هذا الدِّين العظيم من السماحة، ومن اليسر، ومن المحبة، ومن الألفة، ومن إرادة الخير للناس جميعًا -ولو أردنا أن نتكلم في هذا لطال المقام-؛ لأقبل الناس جميعًا عليه؛ كما أقبلوا عليه في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي زمن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.

فالصحابة -رضي اللَّه عنهم- فتحوا البلاد بالقرآن (٢) قبل أن يفتحوها بالسيف، فكانوا قبل أن يقاتلوا الناس يعرضون عليهم هدي القرآن، وكان الناس يرونهم على هذا المنهج القويم، حتى كان الواحد منهم كأنه قرآن يمشي على الأرض (٣)، فلما رآهم الناس مطبقين لتعاليم الإسلام تطبيقًا عظيمًا


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى المدينة لتعليم الناس القرآن، وغيرهما كثير.
أخرج البخاري (٣٩٢٥)، عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- قال: "أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يقرئون الناس. . . ".
(٣) ينبغي أن نقول: "كان خُلُقُه القرآن" كما قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-، والقرآن كلام اللَّه وليس بمخلوق ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بشر مخلوق، ولا ينبغي أن نقول مثل هذا الكلام؛ لأننا حاربنا المعتزلة وغيرهم في قولهم القرآن مخلوق، فكيف نقول مثل هذا الكلام؟! نقول: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُطَبِّق القرآن، كانت أخلاقه مستمدّة من القرآن، كان خُلُقُه القرآن، يعمل به، ويعتقد ما فيه، رحم اللَّه هذا الإمام الشارح، وإنما بينَّا مثل ذلك؛ لكوننا نعلم أن هذا هو الذي يُرضيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>