علة من قال بهذه المقالة أن الإحصار معناه في كلام العرب: مَنْع العِلَّة من المَرض، وأشباهه غير القَهر، والغلبة من قاهر أو غالب إلا غلبة عِلَّة من مرض، أو لَدْغ، أو جِراحة، أو ذَهاب نَفقة، أو كسْر راحلة.
فأما منع العدو، وحبس حابس في سِجْن، وغلبة غالب حائل بينَ المُحْرِمِ والوصول إلى البيت من سُلطانِ، أو إنسان قاهرٌ مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب حصرًا لا إحصارًا. قالوا: ومما يدل على ذلك قول اللَّه -جل ثناؤه-: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء: ٨] يعني به: حاصرًا، أي: حابسًا. قالوا: ولو كان حبسُ القاهِرِ الغالبِ من غير العِلَلِ التي وصفنا يُسمَّى إحصارًا لوجب أن يقال: قد أحصر العدو. قالوا: وفي اجتماع لغات العرب على "حوصِرَ العَدو" و"العدو محاصر"، دون "أحصر العدو" و"هم محصرون"، و"أحصر الرجل" بالعِلَّةِ من المَرض والخوف أكبر الدَّلالَةِ على أن اللَّه -جل ثناؤه- إنما عنى بقوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}[البقرة: ١٩٦] بمرض، أو خوف، أو علة مانعة. قالوا: وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى حصر المَرَضِ قِياسًا على ما جعل اللَّه -جل ثناؤه- من ذلك للمريض الذي منعه المَرضُ من الوصولِ إلى البَيتِ، لا بِدَلالةِ ظاهِرِ قوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦] إذ كان حبس العَدُوِّ والسلطان، والقاهر علة مانِعة، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر.