للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا فَأَحْصَرَ أَحَقُّ بِالْعَدُوِّ، وَحَصَرَ أَحَقُّ بِالْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ إِنَّمَا عَرَّضَ لِلْإِحْصارِ، وَالْمَرَضُ فَهُوَ فَاعِلُ الْإِحْصَارِ، وَقَالُوا: لَا يُطْلَقُ الأَمْنُ إِلَّا فِي ارْتِفَاعِ الْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَإِنْ قِيلَ فِي المَرَضِ فَبِاسْتِعَارَةٍ، وَلَا يُصَارُ إِلَى الِاسْتِعَارَةِ إِلَّا لأَمْرٍ يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنِ الْحَقِيقَةِ. وَكَذَلِكَ ذِكرُ حُكْمِ الْمَرِيضِ بَعْدَ الْحَصْرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ أَنَّ الْمُحْصَرَ غَيْرُ الْمَرِيضِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (١). وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ مَالِكٍ (٢)،


(١) يُنظر: "الأم" للشافعي (٢/ ١٧٣)؛ حيث قال: "فلم أسمع ممَّن حَفِظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالِفًا في أن هذه الآية نزلت بالحُدَيبِيَةِ حين أحْصِرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فحال المشركون بينه وبين البيتِ، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نحَرَ بالحُديبية وحَلَق ورجع حلالًا، ولم يَصِلْ إلى البيتِ ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده، وسنذكر قِصَّتَهُ وظاهر الآية أن أمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إياهم أن لا يحْلِقُوا حتى يبلغ الهَدي محله وأمرَهُ ومن كان به أذًى من رأسه بفدية سماها، وقال عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] الآية، وما بعدها يشبه واللَّه أعلم أن لا يكون على المُحْصرِ بعدُؤ قضاء لأن اللَّه تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره (قال): والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية، وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم، ثم اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمرة القَضِيَّة وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته، ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إن شاء اللَّه تعالى أن لا يتخلفوا عنه، وما تخلفوا عن أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل، ومنه ما هو في الحرَمِ، فإنما نجر الهدي عندنا في الحل وفيه مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨] فبهذا كله نقول، فنقول: من أحصِرَ بعَدُوٍّ حلَّ حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديًا".
(٢) يُنظر: "أقرب المسالك" للدردير (٢/ ١٣٣)؛ حيث قال: " (وإن وقف) بعرفة (وحصر عن البيت) بعدو أو مرض أو حبس ولو بحق (ففد أدرك الحج، ولا يحل بالإفاضة ولو بعد سنين)، وذكر الثالث وهو ما إذا حصر عن البيت وعرفة معًا بقوله: (وإن حصر عنهما بعدو) صده عنهما معًا، (أوحبس) لا بحق بل (ظُلمًا فله التحلل متى =

<<  <  ج: ص:  >  >>