للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبِي حَنِيفَةَ) (١).

من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوفُ عدو، أو مرض، أو عِلَّة عن الوصول إلى البيت؛ أي: صيركم خوفكم، أو مرضكم تحصرون أنفْسَكُم، فتَحْبِسُونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج، والعمرة. فلذا قيل: "أحصرتم" لما أسقط ذكر الخَوفِ والمرض، يقال منه: أحصَرَني خَوفي من فلان عن لقائك، ومرَضِي عن فلان، يراد به: جعلني أحبس نَفْسي عن ذلِكَ. فأما إذا كان الحابس الرجل والإنسان، قيل: حصرني فلان عن لقائك، بمعنى حبسني عنه. فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قولِهِ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] فإن حبَسَكُم حابِسٌ من العدُوِّ عن الوصول إلى البيت، لوجب أن يكون: فإن حصرتم. ومما يبين صحة ما ذكروا من أنَّ المراد بها إحصار غير العدو، وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]، والأمن إنما يكون بزوال الخوف.

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى اللَّه في هذه الآية هو الخوف الذي يكون بزواله الأمْن.

وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حَبسِهِ داخلًا في حكم الآية بظاهرها المتلو، وإن


= شاء) وهو الأفضل (بالنية، ولو دخل مكة) أو قاربها، وليس عليه التحلل بفعل عمرة، وله البقاء على إحرامه حتى يتمكن من البيت فيحل بعمرة أو لقابل حتى يقف ويتم حَجَّه، ومثل من صدَّ عنهما معًا بما ذكر من صدَّ عن الوقوف فقط، بمكان بعيد عن مكة، أي فلَهُ التحلل بالنية كما صرحوا به".
(١) يُنظر: "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (٢/ ٥٧٤)؛ حيث قال: " (والإحصار من العدو، والمرض سواء)؛ لقول اللَّه تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وقال أهل اللغة: يقال: أحصره المرض، وحصَرَهُ العَدُوُّ، فالذي في لفظ الآية: الإحصار من المرض، ومن جهة السُّنَّةِ: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كُسِرَ أو عرج، فقد حَلَّ، وعليه الحج من قابل"، ولأن المعنى الذي من أجله جاز له الإحلال في الإحصار من العدو، هو موجود في المرض، وهو الحبس".

<<  <  ج: ص:  >  >>