للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥]، وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ أَنَّ عَلَيْهِ حَجًّا وَعُمْرَةً، لِأَنَّ الْمُحْصَرَ قَدْ فَسَخَ الْحَجَّ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يُتِمَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا. فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ).

وهذا -واللَّه أعلم- في من كان حَصرُهُ خاصًّا، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد؛ لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحِلِّ، لتعذُّرِ وصول الهدي إلى مَحِلِّه، ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية، وهي من الحل.

قال البخاري: قال مالك وغيره: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه حَلَقُوا، وحلوا من كل شيء، قبل الطواف، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت. ولم يذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أحدًا أن يقضي شيئًا، ولا أن يعودوا له.

وروي أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْرَ هدْيَهُ عند الشجرة التي كانت تحتَها بَيعَةُ الرُّضوان، وهي من الحِل باتفاق أهل السِّيرَةِ والنَّقْلِ، قال اللَّه تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥]، ولأنه موضعُ حِلِّه، فكان موضع نحرِهِ، كالحرَمِ، وسائر الهدايا يجوز للمُحْصَرِ نحرها في موضع تحلُّلِه، فإن قيل: فقد قالَ اللَّه تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦].

وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣]، ولأنه ذبْحٌ يتعلَّقُ بالإحرام، فلم يَجُزْ في غيرِ الحرم، كدَمِ الطِّيب واللباس. قلنا: الآية في حقِّ غيرِ المُحْصَرِ، ولا يمكن قياس المحَصر عليه؛ لأن تحلل المُحصر في الحل، وتحلل غيرُه في الحرم، فكل منهما ينْحَرُ في موضِعِ تحَلُّله. وقيل في قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]؛ أي: حتى يذبَحَ، وذبْحُهُ في حقِّ المُحصَرِ في موضع حِلِّه، اقتداءً بالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

* قوله: (وَأَمَّا الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ (١) وَأَهْلَ


(١) يُنظر: "منهاج الطالبين" للنووي (ص: ٩٣)، حيث قال: "من أحصر تحلل وقيل: =

<<  <  ج: ص:  >  >>