للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَرَدَّ أَهْلُ الحَدِيثِ هَذَا الخَبَرَ، وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، لِضَعْفِ رُوَاتِهِ).

هذا الحديثُ ضعيفٌ، وضعَّفه العلماء، بل أطبق الحُفَّاظ على تضعيفِهِ، وممَّن ضعَّفه الحافظ ابن حجر (١)، والإمام الطحاوي (٢)، الذي لطالما عني بمذهب الحنفية، وأكثر من الاستدلال لهم، بل والدفاع عنهم، وقد بين في كتابه "معاني الآثار" أن هذا الحديث ضعيفٌ من جميع طرقه، وأنه لا ينبغي أن يشغل كتابه بمثله.

وبالنظر إلى الطرق الأُخرى التي جَاءَ بها حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما -، نجد أنه جاء من طريق علقمة، وهو مولى عبد الله بن مسعود، وهو من أخصِّ أصحابه أيضًا، وذكر في ذلك كما في "صحيح مسلم" أنه قال (٣): سألت عبد الله بن مسعود: هل شهد أحد منكم ليلة الجن مع رسول الله؟ فردَّ عليه عبد الله بن مسعود: كنا مع رسول الله ذات ليلةٍ، ففقدناه، فطلبناه في الأودية (٤) والشعاب (٥) فلم نجده. قال: فبتنا بِشَرِّ ليلةٍ،


(١) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٣٥٤)، حيث قال: وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه.
(٢) يُنظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (١/ ٩٥).
(٣) أخرجه مسلم (٤٥٠)، عَنْ علقمة أنه قال: "أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحدٌ منكم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنَّا كنَّا مع رسول الله ذات ليلةٍ، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب. فقلنا: استطير أو اغتيل. قال: فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله، فَقَدْناك، فطلبناك فلم نجدك؛ فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ. فقال: "أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن"، قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: "لكُمْ كل عظمِ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم"، فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم".
(٤) "الوادي": كل مفرج بين جبال وآكام، وتلال يكون مسلكًا للسيل أو منفذًا، والجميع: الأودية. انظر: "العين" للخليل (٨/ ٩٨).
(٥) "الشِّعْب"، بالكسر: الطريق في الجبل، والجمع الشعاب. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>