كان يبايع المسلمين، كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد في سبيل اللَّه، وكان يبايع العبيد على الإسلام فقط (١)، فدل ذلك على التفريق بينهما، وهذا دليل نقلي.
وأما من الناحية العقلية: فإن العبد منافعه مملوكة لسيده، والجهاد غالبًا يحتاج إلى سفر، فبسَفَره تتعطل مصالح سيده، ولذلك لا يكون الجهاد واجبًا في حقه.
فينبغي أن يجد الشيء الذي يغزو به، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}، فيُشْترط في الجهاد: وجود النفقة، أما لو كانت الدولة تدفع النفقات، فتكون النفقة بذلك قد تَحقَّقت.
* قَالَ:(الأَصِحَّاءُ لَا المَرْضَى).
كَذَلك أيضًا يُشْترط في المجاهد أن يكون صحيحًا، لا أعمى، فالأعمى لا يستطيع أن يجاهد؛ لأنه لا يعرف، والأعرج مستثنًى من ذلك في قوله اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}، لكن هنا ينبغي أن نقف وقفات بالنسبة للأعمى، فلا خلاف فيه؛ ولكن لو كان الإنسان يبصر بعضَ الإبصار بمعنى أنه ضعيف البصر، ولا يؤثر عليه، فإنه يجاهد؛ لأنه لا يشترط في المجاهد أن يكون حادَّ البصر.
وأمَّا بالنسبة للأعرج، فليسَ على إطلاقه، وإنَّما المقصود بالأعرج
(١) أخرجه النسائي كما في (تلخيص الحبير) (٤/ ٢٤٤)، ولم أجده فيما بين يدي من مصادر، وقد أخرج مسلم (١٦٠٢) أنه بايعه على الهجرة، وليس على الجهاد، وهذا لفظه: عن أبي الزبير، عن جابر، قال: جاء عبد فبايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الهجرة، ولم يشعر أنه عبدٌ، فجاء سيده يريده، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعنيه"، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله: "أعبد هو؟ ".