للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذي لا جهاد عليه، وهو الذي يشق عليه العرج، ولا يستطيع أن يمشي مشيًا معتادًا، أما الأعرج الَّذي لا يستطيع أن يجاري الصحاحَ في جريهم وسباقهم، فهذا لا يؤثر، المهم أنه يثبت، وأن يستطيع القتال.

وأما المريض، فالمراد به هنا الذي تلحقه مشقةٌ وضررٌ بالجهاد، أما المرض اليسير من أَلَمٍ في الجسم، أو من صداعٍ يسيرٍ، ونحو ذلك، فهذا لا يمنع المسلم من الجهاد، وإنَّما عليه أن يجاهد في هذه الحالة.

إذًا، الذي لا يجاهد هو الأعمى الذي لا يرى، وَكَذلك الأعرج الذي أثَّر فيه هذا العرج، والمريض الذي تلحقه مشقة وألم وشدة فيما لو جاء في هذا الموقف.

* قوله: (وَلَا الزَّمْنَى) (١).

وهُوَ الذي أصابه مرض مزمن أقعده على الفراش، فهذا لا يجاهد، وهو داخلٌ ضمن المرضى، بل هذا يأتي في مُقدِّمتهم، وهذا تيسيرٌ من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا الجهاد أمرُهُ عظيمٌ، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "انتدب اللَّه لمَنْ جاهد في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي إيمانًا بي، وتصديقًا برُسُلي؛ فإني أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجرٍ، أو غنيمةٍ، أو أدخله الجنة".

ثمَّ يقول رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك: "ولَوْلَا أن أشقَّ على أُمَّتي لما قعدت خلف سرية -أي: لما تخلفتُ عن معركةٍ واحدةٍ- ولوددت أن أقاتل فأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل" (٢).

إن الرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتمنى الجهاد في سبيل اللَّه، وأن يقتل في هذا الجهاد، ثم تُعَاد إليه حياته، ثمِ يُقْتل، ثم يقاتل، ثم يقتل مرةً أُخرى، واللَّه تعالى يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ


(١) "الزَّمِنُ": هو المبتلى. وجمع الزمن: الزمنى. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ٥٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦) ومسلم (١٨٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>