ولَا شكَّ أن من أجلِّ القُرُبات التي يتقرَّب بها المسلم إلى ربه إذا حانت له الفرصة أن يجاهد في سبيل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه في هذا الموقف يبيع أعز وأغلى ما عنده، ألا وهي حياته، يبيعها في سبيل اللَّه ابتغاء مرضات اللَّه؛ لينال جنةً عرضها السماوات والأرض أعدها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للمجاهدين في سبيله.
* قوله:(وَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ)
أي: أن هذه الشروط لا خلافَ فيها، وقد أوردنا أدلتها؛ لقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[النور: ٦١]، وليس معنى هذا أن يستدلَّ بها بعض الجهال على سقوط التكاليف، ففي أمر الصلاة لا تسقط عن الأعمى ولو صلاة الجماعة، ولا على الأعرج، ولا حتى المريض الذي عجز أن يصلي قائمًا "فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، وإذا لم يستطع ذلك يشير بإصبعه، فإن لم يستطع فلو بطرفه، فَهَذا الكلامُ في أمر الجهاد، وهذه الشريعة ليس فيها مشقةٌ على عباد اللَّه.
الجهاد غَالبًا يحتاج إلى سَفَرٍ، فيحتاج الإنسان إلى دابة، أو حافلة تنقله، فإنْ تيسرت له هذه، تعيَّن عليه الجهاد، وكان ممن دخلوا في حكم المجاهدين؛ لأن هذا أمر مطلوب، كما في الآية: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)} [التوبة: ٩٢].