للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه، فذكر له أن له أمًّا، فسأله: أخذت رأيها؟ فقال: لا. قال: "إن الجنة تحت أقدام الأمهات" (١).

وفي قصة الآخر الذي جاء أيضًا ليجاهدَ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل له أبوان؟ "، فذكر أن له أبوين، وأنه تركهما يبكيان، فأمره أن يعود إليهما فيضحكهما كما أبكَاهما (٢).

يسأل سائلٌ: هذا جهاد في سبيل اللَّه، وطاعة للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ودفاع عن هذه الشريعة، ودفاع عن هذا الدِّين، ودفاع عن بيضة هذا الإسلام، وعن هذه العقيدة الإسلامية، فكيف يأخذ الإنسان رأي والديه في طاعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟

الجواب: لأن برَّ الوالدين فرض عين، والجهاد إنما هو فرض كفاية، أما عندما يتعيَّن الجهاد على المسلم، ففي هذه الحالة لا يُشْترط أن يأخذ رأي والديه، كما لو الْتحَم الصفان، وصرخ به أحد والديه، أو جاء العدو فطوَّق بلاد المسلمين؛ فإنه في هذه الحالة لا يأخذ رأي أَحَدٍ.

لَكن يَبْقى سؤالٌ وهُوَ: لو أن الوالدين أو أحدَهما أَذِنَ لابنه بالجهاد، ثم رجع عن قوله، فهل يلزمه؟

فسَّر العلماء القول في ذلك، فقالوا: إن كان ذلك قبل أن ينضم إلى المعركة وقبل السفر، فلهما ذلك، وإن كان بعد اشتراكه في القتال فلا. . هذا فيما يتعلَّق بالوالدين المسلمين، فلا بد من أَخْذ رأيهما، وأحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صريحة في ذلك.


(١) أخرجه النسائي (٦/ ١١)، عن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: "هل لك من أم؟ "، قال: نعم، قال: "فالْزَمها، فإن الجنَّة تحت رجليها"، وقال الأَلْبَانيُّ في (صحيح النسائي) (٧/ ١٧٦): حسن صحيح.
(٢) أخرجه أبو داود (٢٥٢٨)، وغيره، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: جاء رَجلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان، فقال: "ارجع عليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما"، وصححه الأَلْبَانيُّ في (صحيح أبي داود) (٢٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>