للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإسنادٍ حسنٍ (١) بلفظٍ قريبٍ من هذا: "دَعُوا الحبَشَة ما وَدَعوكم، واتركوا الترك ما تَرَكوكم"، وأوضح ذلك: "دَعُوا الحَبَشة ما وَدَعوكم"، فهذا دَليلٌ نسميه (المعتل المثال)، وهذا قليل ما يأتي ماضيًا، فإنه يأتي في صورة المضارع (يدع) (٢) بمعنى: يترك، و"دع" بمعنى "اترك".

"دَعُوا الحَبشَة ما وَدَعُوكُمْ"، يعني: اتركوا الحبشة ما تركوكم، أَيْ: إذا غفلوا عنكم، فاغفلوا عنهم، "واتركوا الترك ما تركوكم"، فهذا حديث حسن جاء في روايات أُخرى أو بألفاظ أُخرى: "اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة" (٣)، هذا الحديث جاء مطولًا، والكعبة فيها كنز لا يستخرجه إلا ذو السويقتين من الحبشة، و"السويقتين" (٤) تثنية "ساق"، فإذا صَغَّرناه قلنا: "سويق"، ومن المعلوم في علم التصريف الذي من أجزائه التصغير أنك إذا صَغَّرت المؤنثَ الخالي من التاء، فإنك تلحق به التاء، فتقول: "يد"، تصغيرها " يدي"، ثم تلحقها بالتاء فتقول: "يدية"، و"عين عيين عيينة"، وأيضًا "ساق سويقة"، فهنا ذو السويقتين، ولقبوا "ذو السويقتين" بهذا؛ لما عرف في سيقانهم من النحافة، فهذا هو الذي يستخرج كنزَ الكعبة.

وَجَاء أيضًا في "الصحيحين" أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يخرب


(١) حديث (٤٣٠٢)، وحسنه الأَلْبَانِيُّ في "صحيح الجامع" (٣٣٨٤).
(٢) يُنظر: "شرح المشكاة" للطيبي (١١/ ٣٤٣٠، ٣٤٣١) حيث قال: " (ودعوكم): تركوكم، وقلما يستعملون الماضي منه إلا ما روي في بعض الأشعار، كقول القائل: "غاله في الحب حتى ودعه"، ويحتمل أن يكون الحديث: (ما وادعوكم)؛ أي: سالموكم، فسقط الألف من قلم بعض الرواة. أقول: لا افتقار إلى هذا الطعن مع وروده في التنزيل في قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}، وقرئ بالتخفيف يعني: ما تركك".
(٣) أخرجه أبو داود (٤٣٠٩)، وحَسَّنه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٩٠).
(٤) "السويقة": تصغير الساق، وهي مؤنثة، فلذلك ظهرت التاء في تصغيرها، وإنما صغر الساق؛ لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>